رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

يورو صنعت نجمًا «3».. كريستيانو رونالدو.. الوحش الذى أطلقته دموع نهائى 2004

كريستيانو رونالدو
كريستيانو رونالدو

أيام قليلة وتنطلق بطولة كأس الأمم الأوروبية " يورو 2020".. بطولة تأجلت لمدة عام بسبب ظروف فيروس كورونا، ويُتوقع لها كالعادة بأن تكون بطولة قوية.

الـ "يورو" كانت دائمًا شاهدة على بزوغ نجم عدد كبير من اللاعبين، لاعبون أصبحوا من الكبار سواء في وقتنا الحالي أو فيما مضى، وفي سلسلة "يورو صنعت نجمًا" سنركز على لاعبين بدأوا رحلة تألقهم من بطولة كأس الأمم الأوروبية.

وفي الحلقة الثالثة من سلسلة يورو صنعت نجمًا؛ يخوض «الكابتن» في رحلة بزوغ نجم كريستيانو رونالدو مع منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا 2004.

«كمثل أي مراهق آخر؛ كان يعتقد أنه محور العالم؛ لايهتم لنصيحة أي مدرب؛ طوال شهور الاستعدادات قبل بطولة أمم أوروبا كان يشعر سكولاري أن هناك مشكلة في التواصل معه».

«جوسيه كارلوس فريتاس؛ مؤلف كتاب لويز فيليبي سكولاري: الرجل والمدرب»


كان ذلك الانطباع الأول للبرازيلي لويز فيليبي سكولاري؛ المدير الفني للمنتخب البرتغالي إبان بطولة أمم أوروبا 2004؛ عن ابن التسعة عشر عامًا بعد أول مقابلة لهما بعد أن أتى له المراهق مرتديًا نظارات شمس؛ ويضع قباعة البيسبول مدارة بالعكس خلف رأسه؛ ويضع سماعات الأذنين.

البدايات وعصا فيرجسون السحرية

قبل أن نخوض في تفاصيل ما حدث بعد تلك المقابلة؛ لنعد سويًا للأسباب التي دفعت البرازيلي المخضرم لضم مراهق مانشستر يونايتد وأحدث اكتشافات السير أليكس فيرجسون؛ المدير الفني للشياطين الحمر آنذاك.

عاش رونالدو طفولة قاسية بين إدمان والده للكحوليات وقلة ذات اليدين؛ وعمل والدته كطباخة للإنفاق على أسرتها؛ وهو ماعبر عنه اللاعب فيما بعد بأنه كان ينتظر إلقاء العاملين بمطعم «ماكدونالدز» الشهير لما تبقى من الزبائن من شرائح البطاطا وشطائر البرجر ليأكل منها هو ورفاقه؛ وبداية مسيرته في سن العاشرة كـ"ظاهرة عجيبة"؛ ثم انتقاله لناشئي ناسيونال ماديرا ومنه إلى سبورتنج لشبونة الذي شهد فترة توهجه؛ ولعب ضمن صفوف فريقه الأول في موسم 2002-2003.

«كل ما أراد فعله وهو طفل هو لعب كرة القدم؛ أحبها لدرجة أنه كان يترك الطعام؛ ويقفز من نافذة غرفته تاركًا واجباته المنزلية من أجل كرة القدم» "فيرناو سوسا، الأب الروحي لرونالدو".

7 أكتوبر 2002؛ تاريخ مميز في مسيرة كريستيانو؛ إذ شارك لأول مرة بالتشكيل الأساسي لفريق سبورتنج لشبونة في عمر الـ17 و8 أشهر؛ ضد فريق موريننسي؛ وسجل هدفين في انتصار فريقه بثلاثية نظيفة.

3 أهداف سجلها وصنع 5 لزملائه في 25 مباراة لعبها هذا الموسم بالدوري البرتغالي؛ وهدفين في 3 مباريات ببطولة الكأس؛ أرقام ليست بالمهولة لكن الجميع أيقن أن هذا الفتى يملك شيئًا خاصًا؛ كبار إنجلترا بدأوا في التسابق للفوز به.

«كل فرق القمة في إنجلترا كانوا يريدون ضمه مثل أرسنال وليفربول؛ لكنهم كانوا يخططون لإعارته لسبورتنج لشبونة ليشارك في المزيد من المباريات؛ ولكن أليكس فيرجسون وحده كان يريده في فريقه؛ أكد له أنه إذا بقى في لشبونة لن يحصل على عدد الدقائق التي سيحصل عليها في يونايتد».

«خورخي مينديز، وكيل أعمال كريستيانو رونالدو»

وبالفعل نجح فيرجسون في ضم رونالدو لفريقه في صيف عام 2003 مقابل 12.24 مليون جنيه إسترليني كأغلى صفقة انتقال للاعب شاب آنذاك؛ ومنحه القميص رقم 7 الذي حمله من قبله ديفيد بيكهام؛ والذي رحل لريال مدريد.

البريميرليج بدأ؛ وفيرجسون أوفى بوعده؛ اللاعب الشاب أساسيًا في أول 8 مباريات بالموسم؛ 29 دقيقة بالأولى ضد بولتون؛ وبعدها 14 دقيقة ضد نيوكاسل يونايتد؛ ثم 66 ضد ولفرهامبتون؛ و24 ضد ساوثهامبتون؛ وبعدها مباراتين كاملتين ضد تشارلتون وأرسنال؛ ثم المشاهدة من دكة البدلاء ضد ليستر ستي؛ والخروج من القائمة أمام برمنجهام.

كل هذا ولم يسجل أي هدف؛ لكن فيرجي دائمًا مايرى شيئًا مختلفًا؛ يضعه أساسيًا ليدز ثم أمام فولهام؛ وأخيرًا يسجل هدفًا ويصنع آخر ضد بورتسموث في الجولة الـ13؛ وهدفين آخرين ضد توتنهام هوتسبير في الجولة 28 وبرمنجهام سيتي بالجولة 32؛ ويختتمها بالجولة الـ38 ضد أستون فيلا.

29 مباراة شارك فيها رونالدو في موسمه الأول مع مانشستر يونايتد؛ سجل 4 أهداف وصنع مثلها؛ وصنع هدفًا في 5 مباريات بدوري الأبطال؛ يونايتد يحل ثالثًا بالدوري الانجليزي؛ ويودع الأبطال بدور الـ16 ضد بورتو؛ ويحقق كأس الاتحاد الانجليزي فقط.

لويز فيليبي سكولاري.. لأن فيرجسون لايخطيء

30 نوفمبر 1999؛ كانت المواجهة الأولى بين فيليبي سكولاري، وأليكس فيرجسون، في نهائي بطولة  الإنتركونتننتال؛ الأول يقود بالميراس؛ والثاني في عصره الزهي مع مانشستر يونايتد؛ يونايتد يحقق الفوز بهدف روي كين.

نعم تلك المباراة ليست لها علاقة مباشرة بانضمام رونالدو لمنتخب البرتغال؛ ولكنها كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها فيرجي بسكولاري؛ الثنائي الذي آمن برونالدو ومنحاه كل شيء.

«مثل أليكس فيرجسون، آمن سكولاري أنه يجب أن يتحلى ببعض الصبر مع رونالدو؛ ومساعدته على النمو كرجل وتلميعه كلاعب كرة قدم؛ والتعامل معه بدقة كصانع الألماس» "خوسيه كارلوس فيريتاس".

الموسم انتهى في أوروبا؛ وسكولاري يعلن قائمة البرتغال.. الشاب ذو التسعة عشر عامًا ضمن اختياراته للجناح الأيمن؛ مراهنًا عليه كحصان أسود لبرازيل أوروبا.

لويس فيجو.. ُمعلِم اختار تلميذًا ليتفوق عليه

«إنه شاب جيد؛ ولكن شخصًا ما أخبره أنه الأفضل في العالم؛ وإذا كان يؤمن بذلك حقًا فإن العمل معه سيكون صعبًا» بهذا التصريح ظن الجميع أن سكولاري قد تخلص من رونالدو؛ وأخرجه من حسابات اليورو.

لكن شخصًا آخر آمن بقدرات اللاعب الشاب؛ واختار أن يجعله خليفته في الجناح الأيمن.. لويس فيجو؛ نجم ريال مدريد آنذاك رأى في رونالدو مارآه سكولاري وفيرجسون لأول مرة.

ويقول فيريتاس في سيرة سكولاري الذاتية: «مركز الجناح الأيمن كان محجوزًا لفيجو؛ وكذلك الرقم 7 ؛ ولكن رونالدو حصل على الرقم الثاني لـ7 وهو 17؛ سلوك فيجو نحو رونالدو كان واضحًا؛ القائد المخضرم يجهز خليفته؛ رونالدو نظر لفيجو بنفس الطريقة وأبدى الرغبة في أخذ العباءة منه بل التفوق عليه».



يورو 2004.. رونالدو يلمس السماء

قرعة أمم أوروبا أوقعت منتخب البرتغال؛ المضيف آنذاك، رفقة منتخبات اليونان وإسبانيا وروسيا.

12 يونيو 2004.. البدايات ليست جيدة دائمًا

رونالدو يجلس بديلًا في الافتتاح ضد اليونان؛ أبناء الإغريق ينهون الشوط الأول متقدمين بفضل ركلة جزاء جورجيوس كاراجونيس في الدقيقة السابعة؛ ومع بداية الشوط الثاني سكولاري يقحم رونالدو بدلًا لسيماو؛ 5 دقائق فقط ويضيف أنجيلوس باسيناس الهدف الثاني lمن ركلة جزاء تسبب فيها رونالدو بطريق الخطأ؛ ليزيد من معاناة أصحاب الأرض.

ولكن الشاب رفض أن يخرج من تلك المباراة دون أن يصلح خطأه؛ فيسجل أول أهدافه الدولية بالدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع؛ وتنتهي المباراة بخسارة البرتغال بهدفين لهدف.

ثم شارك رونالدو بديلًا لمُعلمِه وصاحب العباءة التي يحلم بارتدائها، لويس فيجو؛ وتنتصر البرتغال بثنائية؛ وبعدها يلعب أساسيًا لأول مرة ضد إسبانيا؛ ويخرج في الدقيقة 85 بعد أن ساهم في تأهل بلاده لربع النهائي ومرة أخرى يلعب أساسيًا أمام انجلترا بمركز الجناح الأيسر في مباراة درامية استمرت معاناتها حتى الدقائق الأخيرة؛ ويسدد المراهق ركلة الترجيح الثالثة ليساهم في مجددًا في تأهل بلاده لنصف النهائي.
   

ابن ماديرا قد حجز مكانه الأساسي في تشكيل سكولاري؛ ومرة أخرى لايخيب ظن مدربه ويفتتح التسجيل في مرمى هولندا بالدقيقة 26؛ ليتأهل أصحاب الأرض للنهائي في مواجهة اليونان التي أسقطت التشيك.
    

4 يوليو 2004.. دموع الحزن التي خلقت شيطان أوروبا

ستاد لشبونة ممتليء عن بكرة أبيه؛ لامكان لوطأة قدم واحدة؛قرابة الـ63 ألف مشجعٍ في المباراة الحُلم؛ رونالدو أساسيًا في نهائي أمم أوروبا أمام اليونان؛ الشاب متحفز من أجل تسجيل هدف يقود بلاده للقب القاري الأول؛ وتسطير اسمه بحروف من نور في تاريخ كرة القدم الحديث.

الشوط الأول مر سلبيًا؛ والثاني بدأ؛ أنجيلوس باسيناس ذهب لزاوية الملعب اليمنى ليرسل ركلة ركنية بالدقيقة 57؛ الكرة على حافة منطقة الستة ياردات؛ أنجيلوس خاريستاس يقفز فوق الجميع ويحولها داخل الشباك؛ المحاولات البرتغالية دون جدوى؛ أبناء أوتو ريهاجل أبطال أوروبا.

اليونانيون في حالة فرحة جنونية والصمت يخيم على شوارع البرتغال؛ رونالدو ينفجر باكيًا.. ربما كره الشاب بلاد اليونان والرقم 57 منذ تلك الليلة؛ لكن فيرجسون وسكولاري وفيجو كانوا يعلمون جيدًا ليلتها أنهم قد أطلقوا بالفعل وحشًا لن يقف أمامه أحد؛ سيأكل الأخضر واليابس ويحقق كل مايريد؛ من قلب دموع ابن ماديرا وُلِدت آلام كل من حاول إيقافه بعد ذلك اليوم.