رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرعون القادم.. كيف انتصر تريزيجيه على الجميع؟

تريزيجيه
تريزيجيه

حينما اتخذ خطوة الاحتراف الأوروبى وذهب للدورى البلجيكى للمرة الأولى، كان محمود حسن «تريزيجيه» شابًا ريفيًا بسيطًا يحلم بأن يصبح نجمًا ساطعًا فى ملاعب أوروبا، لكنه لم يكن يعرف كيف يتعامل مع مجتمعات وثقافات أخرى تتباين تمامًا مع ما نشأ عليه وعرفه منذ صغره.

كان اللاعب حائرًا بما هو خارج الملعب أكثر من الملعب ذاته، فكر كثيرًا كيف يعيش فى أوروبا بمفرده وهو لا يتحدث حينها سوى العربية، فاصطحب شقيقه الأصغر معه، وقال عن ذلك: «جئت به ليكون الونس وصديقى فى غربتى.. نطبخ معًا، نخرج معًا، يساعدنى فى تحقيق حلمى».

ورغم أنه كان لاعبًا دوليًا مؤثرًا فى هذه الآونة، ويستطيع أن يصطحب أفضل الطباخين ويرافق أجمل الجميلات، مثلما فعل كثير من النجوم الذين عاشوا تجارب عدة فى دوريات أوروبا، كان هدفه الملعب.. الملعب وفقط.


مرت تجربة «تريزيجيه» التى لم تكن قد اكتملت بعدة منحنيات، وواجهت مطبات صعبة وإغراءات يمكنها أن تجذب شابًا بسيطًا مثله وكانت كفيلة بأن تكتب نهايته فى أوروبا، وتدفعه للعودة مجددًا إلى أرض الوطن، منها ملايين الأهلى وجماهيريته ونجوميته، فى مجتمع يقدس النجوم وربما يؤله بعضهم، وكذلك الصحبة والجيرة والأهل التى من الصعب أن يحيا دونها شاب ريفى لا يزال يتمسك بقيمه وإرثه.

«تريزيجيه» لم يجد فرصته مع أندرلخت، وحاول الأهلى كثيرًا إغراءه للعودة براتب أفضل مما كان يحصل عليه فى بلجيكا، لكنه فضل الهبوط إلى مستوى أدنى وقبل بالإعارة إلى فريق متواضع مثل موسكرون البلجيكى، كى يعيد اكتشاف نفسه ويجدد دوافعه وحوافزه للاستمرار فى أوروبا.

وعندما واجه العقبة الثانية الممثلة فى رفض أندرلخت استعادته، لم يصبه اليأس أو الإحباط، ولم ينجذب أيضًا لملايين بيراميدز التى أغرت الكثير من الأسماء والنجوم، كما لم يجد أى غضاضة فى الانتقال لمستوى أدنى، عبر اللعب فى فريق سخر من اسمه المصريون، وهو قاسم باشا التركى.

الجميع كانوا يسخرون منه.. الزملكاوية يهللون لفشل أهلاوى جديد فى الاحتراف، والأهلاوية يشمتون فيه لأنه لم يعد، ولم يجد من يخبره بأنه يسير على الطريق الصحيح، لكنه رغم ذلك ظل متيقنًا بأن الحلم لا يزال متاحًا، وأن الفرص لا بد ستأتى، وما عليه إلا العمل والاجتهاد حتى يحين ذلك.

مع «قاسم باشا» تألق «تريزيجيه» بشكل لافت للغاية، وكان بين أفضل لاعبى الدورى التركى، ورغم ذلك لم يشفع له ذلك فى أن يلقى اهتمامًا من الجمهور المصرى بالشكل الكافى، لكن الاهتمام الإنجليزى كان أكبر وأكثر جدية، ووجد الشاب الريفى العرض المناسب فى التوقيت المناسب مع أستون فيلا.

عندما انضم «تريزيجيه» إلى أستون فيلا، فى الصيف الماضى، لم تكن فرصة مشاركته فى المباريات سهلة، وكان الصراع شرسًا للغاية، حيث يزدحم مركزه بعدة لاعبين رائعين، لهم مكانة فنية وجماهيرية وإعلامية فى مدينة برمنجهام، من أمثال جريلش وأنور الغازى، وكودجا الذى رحل بعدما فشل فى أن يجد لنفسه موقعًا فى هذا الصراع الكبير الذى دخل إليه «الفرعون القادم» بقوة كبيرة.

لعب «تريزيجيه» مع الفريق الإنجليزى 27 مباراة فى نصف موسم، وهو رقم كبير للغاية، بل ومثالى، ومع ذلك أيضًا لم نشعر به بالشكل الكافى، وردد البعض أن هذه التجربة فاشلة، ولن تختلف عن تجربة رمضان صبحى الذى لم يشارك سوى فى دقائق معدودة. سجل «تريزيجيه» 4 أهداف وصنع 3 أخرى، وهو رقم جيد للاعب جناح فى فريق يصارع على الهبوط، ولا يتبع فلسفة الكرة الهجومية الشاملة، بل يعتمد على الارتداد وفرص تهديفه أقل بكثير من أندية الوسط والمقدمة.

كانت أرقام «تريزيجيه» جيدة للغاية وتؤكد أنه تجربة واعدة يمكن البناء عليها وتطويرها فيما هو مقبل، لكن أحدًا لم ينتبه أو يشر إليه إلا عندما وجدناه رغمًا عن الجميع محمولًا على أعناق الإنجليز وسط واحدة من كبرى مدن العالم، ومع جمهور يُصنف دائمًا بين الأعرق، ليرسم صورة رائعة ستظل خالدة فى أذهان الأجيال المقبلة.

أضاع «تريزيجيه» العديد من الفرص، ولم يفلح فى تسجيل الكم الأكبر الذى يجعل الأضواء تحاصره بما يتناسب مع الجهد المقدم، لكن التوفيق جاء فى مشهد واحد ليترجم كل هذا الجهد والمثابرة والإيمان، فجعل الجميع يصفقون له، وتبدأ معه رحلة صعود جديدة لـ«فرعون» آخر، قادر على أن يذهب بعيدًا.

الهدف الذى أحرزه «تريزيجيه» مع فريقه أمام ليستر سيتى وصعد به إلى نهائى بطولة كأس الرابطة الإنجليزية هو مجرد بداية لحلم أكبر، وسيعطيه ثقة كبيرة فى نفسه فى الفترة المقبلة، وسيزيد من حجم إيمان الجميع فى منظومة أستون فيلا به، مدربًا ولاعبين وجمهورًا، وكلها عوامل احتاجها نجم مثل محمد صلاح كى يصنع ظاهرته.

الفرصة هذه المرة توضح أنها تبحث عمن يستحقها، وتطرد كل متخاذل لا يكافح بحثًا عنها، فهل يستوعب رمضان صبحى وغيره من نجوم الكرة المصرية كيف عافر «تريزيجيه» انتظارًا لفرصته؟