رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

كفاية عليه.. كيف أصبح صالح جمعة عدوًا لنفسه وخذل الجميع؟

صالح جمعة
صالح جمعة

بات اسم صالح جمعة، اللاعب الذى جاء ليخلف محمد أبوتريكة، ويحدث ثورة فى مركز صناعة اللعب، وحمل أحلام الأهلاوية، مرهونًا بأخبار الغرامات والإيقافات والخلافات، لم تعد أخباره تليق بلاعب كرة قدم أو صفحات الرياضة، بل أصبحت مثل «حواديت» وروايات تصلح لصفحة «تسالى»، أو ربما «حوادث».
لم يعد يبالى اللاعب بمستقبله، لا يعنيه يلعب أم لا، حتى الغرامات الكبيرة التى تصل إلى نصف مليون لم تعد تزعجه، أو تثنيه عن طريقه الذى اختاره طواعية دون أن يجبره أحد.
هو لاعب متسق مع شخصيته، يعترف لمقربيه بأن الخصومات لا تسبب قلقًا بالنسبة له مقابل منحه فرصة الاستمتاع بحياته، عبر السهر، والسفر، وما شابههما من أمور.
٦٥٠ ألف جنيه كانت إحدى الغرامات التى وقعها الأهلى عليه، وهى أكبر غرامة فى تاريخ النادى، ومع ذلك لم تكن كفيلة لتحسين سلوك أو إحداث أى تغيير فى منهجية تفكيره وعقليته.
أصبح «صالح» عبئًا على كل من يحبونه، لم ينصر إدارة ناديه، ولم يكن بقدر ثقة وحب الجمهور له، حتى والدته التى تشجع الأهلى من أجله رغم أن نجلها الثانى عبدالله جمعة فى الزمالك.
لا يحزن عبدالله جمعة عندما يسمع والدته فرحة وفى قمة سعادتها عندما يشارك «صالح» فى مكسب للأهلى، حتى لو كان هذا المكسب يضر «عبدالله» شخصيًا، فهو نفسه مستعد للتعطل من أجل أن يرى شقيقه يتحرك من «منطقة الشيطان» التى لا يريد مغادرتها.
خذل ناديه وزملاءه وأجهزته الفنية ووالدته وشقيقه، وحتى الجمهور الورقة الأخيرة لـ«صالح» لم يعد يصدق مبرراته، ولم يرضَ بحجة وذريعة تعنت «فايلر»، وصب جم غضبه هذه المرة ضده، فلم يعد يرى فيه أى بادرة أمل، أو أى فرصة للإصلاح.
ربما كان رينيه فايلر ظالمًا لـ«صالح جمعة» فى الموقف الأخير، أو بالغ فى تعنيفه، لكن المؤكد أن اللاعب ظلم نفسه أكثر عندما انتظر ٦ سنوات دون أى تغيير.
ظلم نفسه حينما جعل التقارير التى تركها السابقون لـ«فايلر» تقول إن صاحب الرقم «٢٢» هو «شبه لاعب»، لا يمكنك تصنيفه كلاعب تعتمد عليه، مشواره مقصور على الغيابات، والإيقافات، والغرامات، هواياته السهر والمرح، ومشاركاته لا يتذكرها أحد.
ربما قرر صالح جمعة أن يفتح صفحة جديدة عند وصول «فايلر» حقًا، لكن لم يدرك أن الاستهتار والتخاذل على مدار سنوات عديدة لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وألا يتحمل تبعاته السلبية.
كان عليه أن يعرف أنه يدفع فاتورة تلك السنوات، وأن يواصل البحث عن الفرصة والأمل حتى لو خارج الأهلى، لكن الارتكان إلى عاطفة الجمهور، لم يعد ذلك السلاح الفعال، فالجمهور غير مستعد لتقديم مزيد من الدعم.
يحصل صالح جمعة على ٤ ملايين جنيه سنويًا من الأهلى، إذا خسر منها ما يقارب المليون جنيه فهو يستمتع ببقية ما يأته، هكذا يرى نفسه سعيدًا، بلا معسكرات، أو ضغط مباريات، وساعده على ذلك الأهلى الذى يخشى التخلى عنه فيجده لاعبًا بقميص الزمالك، ثم يصطدم بالجمهور الغاضب والرافض لارتداء اللاعب قميص «الأبيض».
الأهلى هو المؤسسة الأكثر احترافية فى مصر، لكنه تخلى عن منهجه هذا مع «صالح»، وكان أولى به أن يفتح الباب أمامه منذ فترة طويلة، حتى لو أصبح لاعبًا فى الزمالك، فهو لاعب ربما يفلح فى مدرسة أخرى، لكن مدرسة الانضباط والبطولات، والأقرب إلى أهم مدارس العالم، بحاجة إلى جنود مقاتلين ملتزمين، أكثر من حاجاتها لموهوبين متمردين.
يقول «بيليه» إن لاعب كرة القدم لا يحتاج سوى ٢٥٪ من الموهبة لكى يصبح محترفًا متكاملًا وناجحًا، بينما الـ٧٥٪ الأخرى يمكن بناؤها بالعلم والتدرب والتطور، وهذا ما يجب أن يعيه «صالح»، وأن تعيه إدارات الأندية الكبيرة، وهى تختار من يتناسب مع فلسفتها الاحترافية.
يحتاج «صالح» إلى نادٍ أقل ضغوطًا، سواء فيما يتعلق بالمنافسة على البطولات، أو التعرض لحجم ضغوط جماهيرية، يحتاج لنادٍ لا يريد الفوز بـ٣ بطولات كل موسم، نادٍ لا يلعب كل ٧٢ ساعة، نادٍ يجد الأصوات متعالية ضده إذا تعرض لتعادل أو هزيمة وسط ١٠ مكاسب.
يحتاج لملعب أكثر هدوءًا، فهو لا يحب الضجيج فى المستطيل الأخضر، ويعشقه فى أماكن أخرى، فاتركوه يرحل غير آسفين.
لا أمل فى إصلاح عقلية «صالح» لأن التاريخ حولنا يقول ذلك، والنماذج عديدة ويعرفها الجميع، والأمر مرتبط بجانب معرفى وثقافى وتعليمى خاص بالنشأة وبالشخص ذاته، فهو إنسان هوائى لا يخضع لمنظومة، ولا تربطه قيود.