بعد التتويج بلقب اليورو.. كيف أعاد دى لا فوينتى إسبانيا لقمة أوروبا؟

«فكرتنا عن كرة القدم تقوم على الثقة بالنفس، هذا هو ما نريد أن نلعبه.. نريد أن نلعب بنقاط قوتنا، أعلم أننا قادرين على لعب كرة القدم، وقد أظهرنا ذلك طوال البطولة»، كان ذلك تعبير لويس دي لا فوينتي، المدير الفني لمنتخب إسبانيا، عقب التأهل لنهائي يورو 2024، والذي توج بلقبه على حساب منتخب انجلترا بهدفين لهدف.

شباك نظيفة بدور المجموعات، و3 أهداف أمام ألمانيا وفرنسا وإنجلترا على الترتيب، وبسجل خالٍ من الهزائم استعاد الإسبان عرش القارة العجوز مرة أخرى بعد 12 عامًا منذ آخر تتويج لها.

«لا روخا» ذاته الذي لم ينجح في عبور المغرب قبيل أقل من عامين في مونديال قطر، وودع البطولة بيدي ياسين بونو، لتطوى صفحة لويس إنريكي ويخط دي لافوينتي أولى خطواته مع الماتادور. 

من هو لويس دي لافوينتي؟ وكيف أعاد منتخب إسبانيا للقمة؟ ولماذا استحق لا روخا لقب يورو 2024؟ هذا ما نستعرضه في السطور الآتية.

لويس دي لافوينتي، الإسباني ابن الـ63 عامًا بدأ مسيرته التدريبية في مطلع الألفية الثالثة مع العديد من الأندية الإسبانية قبل الانتقال البدء في أولى خطواته مع منتخبات لا روخا بتولي تدريب منتخب تحت 19 عامًا في 2013 وبعدها جمع بينه وبين منتخب تحت 18 عامًا حتى 2018، ليبدأ عملية تجهيز منتخب إسبانيا الأوليمبي والذي تولى قيادته في صيف 2018 وخاض معه دورة الألعاب الأوليمبية 2020 وحقق الميدالية الفضية، قبل الانتقال لتدريب منتخب إسبانيا الأول في ديسمبر 2022.

ويقوم أسلوب لعب دي لا فوينتي على الاستحواذ على الكرة وخلق أكثر عدد ممكن من الفرص وتوسيع الملعب بانطلاقات ظهيري الجنب والجناحين لإجبار الخصوم على التحرك خلف تلك المساحات وتفريغ عمق الملعب.

البداية مع دي لافوينتي لم تكن بتكتيك التتويج بيورو 2024، ولكن بالتعديلات على الرسم التكتيكي والتشكيل والقائمة بإقحام عناصر شابة والاعتماد عليهم بشكل أساسي لتجديد دماء "لاروخا"، ففي وسط الملعب استغل اعتزال بوسكيتس للدفع بثنائية رودري وفابيان رويز في عمق وسط الملعب، بالإضافة إلى إعادة داني كارفخال لمركز الظهير الأيمن وكذلك ألفارو موراتا إلى قلب الهجوم، والاعتماد على داني أولمو كصانع ألعاب في خطة «4-2-3-1» ولكن بأدوار مركبة بين بديهيات لاعب المركز 10 بالتحرك بين خطوط الخصم واستلام وتسليم الكرات من وإلى زملائه وإيجاد المساحات وبين اللعب كمهاجم ثانٍ وأداة لإفراغ المساحة في دفاعات الخصم وإلهاء أحد المدافعين بمراقبته بدلًا من مراقبة الجناح أو المهاجم المنطلق نحو المرمى.

امتاز دائمًا المنتخب الإسباني وكرة القدم الإسبانية وعلى وجه الخصوص فريق برشلونة، بأسلوب التيكي تاكا والاعتماد على الجودة العالية وقدرات لاعبي وسط الملعب في الاحتفاظ بالكرة واستعادتها بسرعة من الخصوم، فوجدنا ثنائية «رودري وفابيان رويز» مشابهة لثنائية «تشافي وإنييستا» بوسط الملعب، فالأول يقطع الكرات ويفسد هجمات الخصوم ويبذل مجهودًا بدنيًا جبارًا، والثاني يبدأ عملية تحريك الكرة ونقل الفريق من الدفاع للهجوم والخروج من الضغط.

تنوع أدوات وأدوار لاعبي وسط ملعب إسبانيا منح الفريق أفضلية تكتيكية ضد خصومه، خاصة في عملية الخروج بالكرة بتواجد رودري في عمق الوسط والاعتماد على قدراته الهائلة في عملية افتكاك الكرة وكذلك أدوار توزيع اللعب والتحرك لتسلم الكرة من قلبي الدفاع والحارس والبدء في الهجمة، بجانب تألق فابيان رويز بأدوار صناعة اللعب والدعم الهجومي للجناحين والدفاعي لداني كارفخال على وجه الخصوص وتأمين انطلاقاته لمنح لامين يامال الحرية في الانطلاق بالهجمات، بالإضافة إلى ذلك كان للإسبان أفضلية رقمية أسهم فيها وسط الملعب وتمثلت في كونه أكثر منتخبات البطولة استردادًا للكرة بـ290 مرة، وجعلته الفريق الأقل استقبالًا للأهداف في البطولة بـ3 أهداف فقط.

تواجد داني كارفخال وألفارو موراتا ورودري وأيمريك لابورتي في تشكيل لا روخا بجانب مجموعة من اللاعبين الشباب، زاد من ثقل الفريق ذهنيًا لامتلاكهم الخبرات بتراكم المباريات والمشاركات الأوروبية سواء مع الأندية أو مع المنتخب، ويحسب ذلك للويس دي لا فوينتي الذي اختار أن يكون وسطيًا بين الخبرة والشباب، لينقل خبرات الجيل السابق للجيل الجديد مع منحهم فرصة كاملة للمشاركة مع الفريق.

في حالة استحواذ الفريق على الكرة تبدأ عملية التمرير السريع من الدفاع للهجوم وتوسيع الملعب باستخدام ظهيري الجنب كارفخال وكوكريلا وتواجدهما بالقرب من الخط وتحرك لامين يامال ونيكو ويليامز إلى عمق الملعب لاستغلال المساحة خلف ظهير جنب الخصم الذي أُجبِر على الخروج لمواجهة ظهير إسبانيا، وبعدها تبدأ الخطوة الثانية من عملية الهجوم الإسباني وهي دخول داني أولمو إلى عمق الملعب وانتظار التمرير المتبادل بين الظهير والجناح أو دخول الجناح المستحوذ على الكرة إلى عمق الملعب وتحرك داني أولمو لخطف نظر وانتباه أحد مدافعي الخصم ومراقبة المدافع الثاني لموراتا ليصبح الجناح في مواجهة فردية وزميله على الجانب الآخر غير مراقب.

تحركات داني أولمو في المساحة أمام منطقة جزاء الخصم والتحرك بين الجناحين منح المنتخب الإسباني زيادة عددية في الحالة الهجومية له، وكذلك زاد من الحلول الهجومية للاروخا ويملك الفريق لاعبًا زائدًا بالقرب من مرمى الخصم.

عملية توسيع الملعب التي اعتمدها المنتخب الإسباني زادت من أهمية أدوار داني أولمو، إذ أنها تظهر المساحات بين الخط الدفاعي للخصم ليبدأ دور أولمو في استغلال تلك المساحات والتحرك بها سواء بالتمرير المتبادل مع أحد زملائه أو بانطلاقة مباشرة نحو المرمى.

بمجرد افتقادهم للكرة، يبدأ المنتخب الإسباني في الضغط على دفاعات الخصوم باستخدام الجناحين وقلب الهجوم لحرمانهم من الخروج بالكرة، وفي حالة نجاح الفريق الخصم في الخروج تبدأ عملية الارتداد السريع للدفاع، لتبدأ عملية إغلاق المساحات والانتقال لأسلوب دفاع المنطقة وخلق حالة من الزيادة العددية أمام المرمى وإفساد أي فرصة لاختراق المنطقة، وعودة الجناحين بجانب الظهيرين للدعم الدفاعي أمام مهارات أجنحة الخصم.

المهارات الفردية لنيكو ويليامز ولامين يامال كانت أهم عوامل منتخب إسبانيا في التتويج باللقب، فالثقة التي منحها دي لا فوينتي للثنائي بالاعتماد عليهما في بطولة كبرى مثل يورو، أخرجت منهما الأداء الأفضل لهما، فلامين يامال أنهى البطولة وهو أكثر من صنع أهداف بها وأصغر هدافيها، ونيكو ويليامز بدأت حرب الميركاتو للظفر به في خضم منافسات البطولة.

تواجد لامين يامال ونيكو ويليامز على جناحي إسبانيا، منح لافوينتي القدرة على الانتقال من الدفاع للهجوم بسرعة، واستغلال نقاط ضعف الخصوم وضرب ثغراتهم باستغلال المهارة الفردية وتواجدهما بالقرب من المرمى وإجادتهما التسديد من خارج المنطقة، بجانب الالتزام الدفاعي من الثنائي والارتداد لتقديم أدوار الدعم الدفاعي لظهيري الجنب.

دي لافوينتي صانع النجوم والرجل الذي أحيا ثقة لاعبي إسبانيا بأنفسهم وبأسلوب بلادهم في كرة القدم مرة أخرى، نفض الغبار عن مجد «لا روخا» وأعادهم لقمة أوروبا بعد أقل من عامين من إخفاق مونديال قطر، ليدق ناقوس الخطر قبل أقل من عامين من مونديال أمريكا 2026، إسبانيا عادت مرة أخرى، احذروا!