رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف أحيا أنشيلوتى أسطورة ريال مدريد؟

انشيلوتى
انشيلوتى

لا يوجد أخطر من رجل عاد من الموت، هكذا هو حال ريال مدريد في منافسات دوري أبطال أوروبا، في كل مرة يعتقد الجميع أنه انتهى وأن أحدًا انتصر عليه، يستعيد صحوته ويسقط الجميع في بئر من خيبة الأمل.

وانتصر ريال مدريد على نظيره بايرن ميونخ الألماني في مباراة إياب الدور نصف النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا، ليضرب موعدًا مع بروسيا دورتموند في المباراة النهائية للبطولة يوم 1 يونيو المقبل على ملعب ويمبلي بالعاصمة الإنجليزية لندن.

فريق بلا مهاجم من الصفوة، إصابة الحارس الأساسي وغيابه لطوال الموسم، إصابة قلبي الدفاع الأساسيين بالصليبي، كل هذا ولم يكف ريال مدريد عن "الريمونتادا"، فكيف أسقط أنشيلوتي بايرن ميونخ وأحيا أسطورة ريال مدريد؟

«هكذا، هكذا يفوز ريال مدريد» ذلك الهتاف الذي زلزل جنبات ملعب سانتياجو برنابيو في ليلة الأربعاء التاريخية ضد بايرن ميونخ، ريال مدريد بدأ المباراة بأداء هجومي واضح وضغط متقدم من لاعبي الوسط والهجوم على دفاعات بايرن ميونخ، وتلاعب فينسيوس جونيور ورودريجو بدفاعات البافاري، وتقدم من توني كروس وأوريلين تشواميني إلى المساحة أمام منطقة جزاء بايرن لاستعادة الكرة الثانية المرتدة من الدفاع، وكذا الدعم الهجومي من فريدريكو فالفيردي، بالإضافة إلى التحولات الخططية بين الـ«4-4-2» كرسم تكتيكي لبداية المباراة بشكل الماسة في وسط الملعب ووضع بيلينجهام أمام كروس وفالفيردي وخلفهما تشواميني، ثم التحول إلى «4-3-3» في حالة الاستحواذ على الكرة بتقدم بيلينجهام إلى مركز الجناح الأيسر

على الجانب الآخر، اختار توماس توخيل، مدرب بايرن ميونخ، لعبة الملاكمة الكلاسيكية، أن يتحمل ضربات خصمه حتى ينهكه ثم ينقض عليه بضربة قاضية تسقطه أرضًا، وبالفعل كانت الخطة في طريقها للنجاح، فالبافاريون لم يحاولوا الدخول في منافسة على الاستحواذ على الكرة، بل تركوا الاستحواذ لريال مدريد وارتجعوا للدفاع وإغلاق مساحاتهم والاعتماد على مرتدات سريعة باستغلال سيرجي جنابري وليروي ساني وجمال موسيالا، بالإضافة لتواجد هاري كين في قلب الهجوم.

ولكن على المستوى الدفاعي لم يكن بايرن ميونخ في أفضل حالاته، فتلاعب فينسيوس جونيور بجوشوا كيميتش وزملائه من دفاع البافاري، ولولا تألق نوير لحقق ريال مدريد فوزًا عريضًا.

على الرغم من كونه واحدًا من أفضل المدربين في العالم، إلا أن توماس توخيل دائمًا ما اعتاد ارتكاب الحماقات في مثل تلك المباريات باختيارات توصف بالجبن والخوف، وليس جديدًا عليه أن يخطئ في مباراة كبرى كتلك، ففي عرف كرة القدم وعندما تواجه ريال مدريد وتتقدم بهدف واحد فعليك أن تضغط أكثر لتسجيل الثاني والثالث وألا تمنحه الفرصة للعودة، وهذا ما لم يفعله توخيل فأخرج ليروي ساني ليدفع بكيم مين جاي في الدفاع ويبدأ التراجع الحقيقي للدفاع بعد 8 دقائق فقط من تسجيل الهدف.

نزول كيم مين جاي أعطى لاعبي بايرن إحساسًا أن الأمور انتهت لهم بالفعل، وتسرب لهم شعور بالتخاذل عن الهجوم وضرورة الدفاع، ليحصل ريال مدريد على الفرصة الكاملة في التقدم بكامل لاعبيه وخنق البافاري، على الجانب الآخر تغييرات كارلو أنشيلوتي أعادت لريال مدريد الحياة مرة أخرى واستطاع السيطرة مجددًا على الملعب ومنح فريقه الأفضلية في استعادة الكرات الثانية وكذلك الضغط على دفاع البافاري.

كارلو أنشيلوتي يومًا تلو الآخر يسطر اسمه كأحد أفضل المدربين في تارخ كرة القدم في تعامله مع لاعبيه نفسيًا وتجهيزهم للمباريات الكبرى، فمثلًا خوسيلو الذي انضم للفريق معارًا في بداية الموسم من إسبانيول، كمرحلة انتقالية بعد رحيل بنزيما وحتى انضمام مبابي للفريق، لم يعول عليه في أي من المباريات الهامة، ففي مواجهتي مانشستر سيتي وبايرن ميونخ لعب فينسيوس جونيور "الجناح" في مركز المهاجم الصريح، وهو اختيار كافٍ لإحباط أي مهاجم، لكن أسلوب أنشيلوتي الواضح في التواصل مع لاعبيه ومنحهم الثقة والاستقلالية في التعبير عن أنفسهم والإبداع أبقى على آمال خوسيلو في التألق، كذلك فينسيوس جونيور نفسه الذي بات الآن واحدًا من صفوة لاعبي الكرة في العالم، قبل قدوم أنشيلوتي كان يعاني من الفاعلية على المرمى وإهدار الفرص، ولكن كارلو أخبره أنه لا يحتاج سوى لمستين فقط للتسجيل، لتتفجر النسخة الأفضل من اللاعب البرازيلي مع أنشيلوتي.

أحد مميزات أنشيلوتي والتي استطاع توظيفها لتحقيق أهدافه هي المرونة التكتيكية وقدرته على التكيف على التكتيك الحديث والتشكيلات، وتصميم خطة لعب مناسبة نقاط القوة والضعف في فريقه، بالإضافة إلى منحه الثقة للاعبين الكبار في الفريق والتناقش معهم في تكتيك الفريق وأسلوب اللعب مثلما حدث في العديد من المباريات مع مودريتش وكروس وكذلك مارسيلو قبل رحيله.

واستطاع أنشيلوتي نقل هدوئه وبرود أعصابه المعهود إلى لاعبيه في الملعب بأكثر من مناسبة مهمة، مؤكدًا ثقته فيهم، وكذلك ثقته في الطاقم التدريبي الذي يعاونه وخاصة على المستوى البدني بوجود أنطونيو بينتوس والذي يعد واحدًا من أفضل المدربين البدنيين في العالم، وهو الرجل الذي دعته وكالة ناسا لنقل أساليبه التدريبية لرواد الفضاء وتجهيزهم بدنيًا.

عقب ليلة العبور من مانشستر سيتي، وبعد إحكام قبضة الكاتيناتشو على جوارديولا ورجاله، خرجت التقارير الصحفية لتكشف عن أهمية دور دافيد أنشيلوتي، نجل كارلو أنشيلوتي، في أسلوب لعب الملكي أمام الستيسنز، واستعانته بالطريقة التي أحبط بها أرسنال هجوم مانشستر سيتي، وكذلك تدخله في اختيارات بعض اللاعبين لتسديد ركلات الترجيح في نفس المباراة، وهو ما يدلل على ثقة أنشيلوتي الأب في اختيارات مساعديه، وكذلك قدراتهم الفنية، وهذا لا يحدث سوى من مدرب يثق بقدراته وبقدرات مساعديه وإمكاناتهم.

90 دقيقة في سانتياجو برنابيو وقت طويل للغاية، ذلك التصريح الشهير جاء الخسارة ضد إنتر في ذهاب نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي 1986 بثلاثة أهداف لهدف، خرج الأسطورة خوانيتو، الذي كان لاعبًا لريال مدريد وقتها، بهذا التصريح ليؤكد صعوبة مواجهة ريال مدريد في ملعب، ليحقق ريال مدريد نصرًا بثلاثية نظيفة في الإياب ويتأهل لنهائي البطولة ويحققها، ويرسخ قاعدة تاريخية لا يجب أن يغفل عنها أي خصم لريال مدريد وهي أن سانتياجو برنابيو ليس كغيره من الملاعب، فلن تجد في أي ملعب آخر أقدام تتضارب ببعضها خوفًا ولن تسقط الكرة من يد مانويل نوير كما سقطت أمام خوسيلو، هذا سانتياجو برنابيو وهذا الفريق هو ريال مدريد.. دائمًا ما يعود من الموت.