رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صلاح وحلم المونديال.. لأن باجيو لم يمت وحده واقفًا

محمد صلاح
محمد صلاح

هل سمعت يومًا عن رجل مات واقفًا؟ فارقت روحه جسده دون أن يسقط! توقف قلبه عن ضخ الدماء في عروقه، وتجمدت مشاعره وأحاسيسه، وتوقف به الزمن عن لحظة واحدة فقط، دون أن يدري بما يدور من حوله بعدها. 
روبرتو باجيو جرب هذا الإحساس، توقف به الزمن وتجمدت مشاعره على بعد 11 مترًا من معانقة الحلم الأغلى، كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، شهد مقتل باجيو واقفًا، وكذلك محمد صلاح مات واقفًا في داكار، قبل أن يضع بلاده في المونديال للمرة الثانية تواليًا.

 

روبرتو باجيو

 

«حتى الآن لم أسامح نفسي على تلك اللقطة، يومها كان الأفضل لي أن أقتل نفسي كي لا أشعر بشيء» باجيو في تصريحات لصحيفة ريبابليكا إل فيندري الإيطالية.

 

1- القصة بدأت بعدما احتل المنتخب الإيطالي وصافة مجموعته خلف المكسيك بنفس رصيد النقاط، وبفارق الأهداف ثم واجه منتخب نيجيريا في دور الـ16، وفاز عليه بهدفين لهدف، ثم انتصر على إسبانيا في ربع النهائي بنفس النتيجة، قبل أن يهزم بلغاريا بالنتيجة ذاتها للمباراة الثالثة على التوالي.

في حضور قرابة المئة ألف مشاهد، وعلى ملعب روز باول بمدينة كاليفورنيا، التقى الطرفان الأقوى في المونديال بالمباراة النهائية للبطولة، سامبا روماريو وبيبيتو ودونجا وزينهو وسانتوس في مواجهة أزوري باريزي ومالديني وباجيو ودونادوني وبيناريفو.

90 دقيقة والتعادل مازال سلبيًا، 30 دقيقة أشواط إضافية ولم تهتز الشباك بعد، إذًا لا مفر، ركلات الترجيح ستحسم الأمور.
«كنت أحلم بنهائي كأس العالم كأي طفل، ولكن مالم أحلم به أن ينتهي بي الأمر بإهدار ركلة جزاء» روبرتو باجيو.

2- استاد القاهرة في حضور أكثر من 60 ألف متفرج، 4 دقائق فقط احتاجها نجم ليفربول ليضع منتخب بلاده في المقدمة، بهدف ذاتي ولكن بتسديدة لا يتقنها سوى عمالقة المستديرة لترتد في لاعب السنغال وتسكن الشباك، ويضع المنتخب المصري قدمه في نهائيات كأس العالم، وينقش الحروف الأولى من اسمه على تذكرة السفر لمونديال الدوحة، ولكن مازال هناك فصل آخر من القصة سيكتب هناك في داكار. 

3- فرانكو باريزي، قائد الأزوري يهدر الركلة الأولى، يرسلها إلى السماء في تحية لآلهة روما القديمة، ثم يتصدى جيانلوكا باليوكا، لتسديدة سانتوس، ويتواصل التعادل.

ثم يسجل ألبرتيني للأزوري، وروماريو للسامبا، وإيفاني لرفاق باريزي، وبرانكو لأصدقاء بيبيتو.

دانيلي ماسارو يهدر للطليان، ودونجا يسجل للبرازيليين، النتيجة 3-2 بركلات الترجيح، والحسم لدى فتى إيطاليا المدلل، ونجم البيانكونيري، روبرتو باجيو.

«لقد لاحقتني ركلة الترجيح تلك في نومي، كانت المرة الوحيدة التي أضعت فيها ركلة جزاء في مسيرتي قبل ذلك اليوم، مازالت تلك اللقطة محفورة في ذهني» باجيو لصحيفة لاجازيتا ديلو سبورت.

4- أما محمد صلاح، فحلم بكأس العالم منذ طفولته، كان بعمر السنتين عندما مات باجيو واقفًا، ثم قاد بلاده للمونديال بعد 28 عامًا من غياب وهجر عن الكرنفال العالمي، بركلة جزاء حاسمة في وقت لم يملك فيه أي رجل أعصابه، وانهمرت الدموع من أعين الكبير قبل الصغير. 

 

5- باجيو يتقدم لمنطقة الجزاء، يضع الكرة على النقطة البيضاء، ثم يرجع إلى خارج منطقة الجزاء ويركض إلى الكرة كمن يحاول القفز عن جبل عالٍ نحو موته، يرسل الكرة تحية إلى السماء، وتتوقف كل أحاسيسه ومشاعره، يتبلد جسده ويتجمد كأن الدم توقف في عروقه، كأنه مات واقفًا.

6- الركلة الأولى، الشناوي تصدى لكاليدو كوليبالي، الحلم يقترب، محمد صلاح يتقدم، ويركض بسرعة للكرة ويرسلها هدية للمدرجات، للحظة توقفت كل القلوب معه، واستعاد من حضر مونديال 94، ذكرى ركلة باجيو، وماحدث له بعدها، ساليو سيس يهدر وبعده زيزو يرسل الكرة بجوار القائم، وإسماعيلا سار يسجل وخلفه السولية، ثم بامبا ديانج يسجل، ولكن مصطفى محمد أهدر، ليدخل ساديو ماني ويسدد الأخيرة ويرسل السنغال إلى المونديال وصلاح ورفاقه للقاهرة بخيبة أمل.

7- الرب سيغفر للجميع إلا باجيو، صلاح لم يكن على قدر مسئولية المنتخب، على قدر التشجيع والاحتفاء يأتي الانتقاد، كلما زاد حب الجماهير واحتفائهم بلاعب ما سيزداد غضبهم عليه حال فشله في إسعادهم، هي كرة القدم.. لا شيء فيها يدوم، ولكن الله قادر على الغفران لباجيو ولصلاح ولغيرهم.