رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة بيبو الأخيرة..هل أخطأ الخطيب فى التعاقد مع فايلر؟

الكابتن

صيف ٢٠٠٨، دخل جوسيب جوارديولا، المدرب الجديد لبرشلونة، إلى مكتب رئيس النادى، خوان لابورتا، وقال له: «أعرف أن الجميع اعترضوا على قرار تعيينى مديرًا فنيًا، حتى أنت الشكوك تدور بعقلك، لكنى أعدك بأنه بنهاية الموسم سيكون كل شىء بحوزتنا، ولن يفوز أى فريق ببطولة وبرشلونة خصم فيها». كان رئيس النادى يرى فى «جوارديولا» مدربًا شابًا يتسم بالقدرة على تحدى كل من اتهموه بانعدام الخبرة، بمن فيهم الجمهور والصحافة وأعضاء مجلس إدارة النادى، الذين أعلنوا انحيازهم لاختيار البرتغالى جوزيه مورينيو، أحد أهم مدربى العالم وقتها والذى فجر ثورة تشيلسى الإنجليزي.
 حينها كان «لابورتا» وحده فى وجه الجميع دون أن يثق أحد بقراره وإيمانه بـ«جوارديولا»، وهو المشهد الذى يتكرر الآن فى الأهلى، بعد اختيار محمود الخطيب، رئيس النادى، السويسرى رينيه فايلر، وسط اعتراض الجميع من جمهور وصحافة وأعضاء مجلس الإدارة، وعلى رأسهم رانيا علوانى، فهل يفعلها الرجلان ويفلح رهانهما ويقلبان الطاولة على الجميع ويسطران ما سيقف أمامه التاريخ طويلًا؟.




غياب المشروع سر تخبط الإدارة ولجنة التخطيط فى القرارات.. وتوقيت رحيل لاسارتى يكشف انعدام الرؤية
قد يرى البعض مقارنة موقف «الخطيب» فى الأهلى بموقف «لابورتا» فى برشلونة أمرًا مبالغًا فيه، وقد يكون هذا صحيحًا، لأن الحياة لا تأتى بأمثال «جوارديولا» كل يوم، فهناك استثناءات يصعب تكرارها، وإن كان تكرار نجاح التجربة لا يزال واردًا إن توافرت معطياته.
لكن قبل الحديث عن ذلك سيكون علينا أولًا تقييم قرار رئيس الأهلى بالرهان على المدرب السويسرى، وإيضاح الأسباب التى دعت «بيبو» لهذا الاختيار.
فى حقيقة الأمر، كان تعامل مجلس الأهلى مع ملف المدير الفنى السابق، الأوروجوايانى مارتن لاسارتى، كاشفًا عن غياب الرؤية وافتقاد المجلس المشروع والاستراتيجية الواضحة.
عندما خسر الأهلى من بيراميدز.. رحل «لاسارتى»، ولو فاز لاستمر، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فالأزمة هى غياب الرؤية واتخاذ القرار بحسب نتيجة مباراة واحدة أو خسارة بطولة بعينها، ولو كان مجلس الأهلى الحالى صاحب مشروع واضح ولديه استراتيجية محددة لكان بإمكانه تجنب هذا التخبط والموقف الحرج أمام الرأى العام.
كان بمقدور المجلس الأحمر أن يطيح بـ«لاسارتى» منذ تتويجه بالدورى فقط، إن كان لديه مشروع لا تتناسب إمكانيات وفكر هذا المدرب معه، وحينها كانت الخيارات أوسع، والأسماء متاحة بأكثر مما هو عليه الوضع مؤخرًا.
وقتها كان الأهلى يستطيع جلب اسم كبير، له علاقة بالكرة الإفريقية وغاص فى تفاصيلها لسنوات، خاصة من بين المدربين الذين شاركوا فى بطولة أمم إفريقيا الأخيرة من أمثال «رينارد» و«ديسابر» وغيرهما من الأسماء التى كانت تلهث من أجل جماهير «الأحمر».
أما الآن، فوجدت إدارة الأهلى نفسها فى أحد أصعب المواقف فى تاريخها، بعدما أصبحت تجرى وراء سير ذاتية لأشخاص لا تعرفهم وتتحول على يد السماسرة إلى ضحية يتلاعب بها الآخرون الذين يطرحون أسماءً وأرقامًا لم تكن لتخطر على بال الإدارة يومًا، وحينها أصبحنا نسمع كل يوم عن اسم جديد يقترب ثم يتبخر لأسباب غير مفهومة.
حدث هذا التخبط لأن الإدارة عملت بلا رؤية وغابت عنها الأهداف المحددة، وأكبر دليل على ذلك هو ما جاء فى نص البيان الصادر عن النادى عقب التعاقد مع «فايلر»، الذى حمل فى طياته مضمونًا أوجع جمهور الأهلى حينما قال إن النية كانت تتجه إلى «سباليتى» لكن القدر لم يشأ وجاء بـ«فايلر»، وكأن الإدارة تقول كنا نريد الخير كله، لكن هذا عطاء الله، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
مواقف لجنة التخطيط بالأهلى كانت تسير فى الخط ذاته وتعكس العشوائية نفسها، فهذه اللجنة التى قالت إنها وضعت معايير لاختيار المدير الفنى القادم على رأسها الخبرات والتاريخ، لم تلتزم بأى معايير فى الاختيار، فالتاريخ لا ينحاز لـ«فايلر»، والخبرات تقول إن التونسى نبيل معلول، على سبيل المثال، كان أولى منه، خاصة أن لديه مشوارًا كبيرًا فى البطولات ويعرف تفاصيل الكرة الإفريقية والعربية، كما أنه سيقبل بمقابل مادى أقل.
ونتيجة لذلك كانت الذريعة الوحيدة التى حاولت بها اللجنة تبرير موقفها من التعاقد مع السويسرى هى امتلاك الطموح، وكأنها لا ترى أى حوافز لدى نبيل معلول الذى رفض عروضًا تونسية واستعان بوساطة كثير من النجوم من أجل تحقيق حلمه فى تدريب الأهلى.
خلاصة القول هنا، إن إدارة الأهلى عملت بلا مشروع طوال الفترات الماضية، ولجنة التخطيط فشلت فى ملف المدرب، فلا معايير حكمت، ولا جديد قدمت، وظل «الخطيب» وحده منفردًا بالقرار، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: هل يفلح اختيار الخطيب أم يواصل السقوط بإدارته؟.


السمات الشخصية والفنية للسويسرى تبشر بالخير والطموح والتطور يعوضان عدم وجود تاريخ قوى

فى السطور السابقة، انتقدنا سياسة الأهلى بإدارته ولجنة تخطيطه فى اختيار المدرب الجديد، لكننا لم نقصد بذلك النقد شخص السويسرى «فايلر»، الذى يحتاج طريقة أخرى فى تقييم قدرته على النجاح.
لكن أولًا علينا أن نوضح أن بذخ الإنفاق وحده لا يعوض غياب الرؤية والمشروع عن إدارات الأندية، بل يعوضهما الاستثمار فى مدرب هو بحد ذاته يمثل هذا «المشروع».
ففى باريس سان جيرمان، يجرى الإنفاق ببذخ، لكن مشروع الفريق غير ناجح، لأنه يلعب بالأساس فى دورى ضعيف للغاية لا يحتاج كل هذه النفقات حتى يكون بطلًا على أندية مثل ليل ونيس!.
أما فى إنجلترا، فإن إدارة مانشستر سيتى تنجح فى تحقيق أرقام قياسية وخيالية والتفوق على عمالقة كرة القدم، ليس بسبب بذخ الإنفاق، وإنما لأن مشروعها كان فى شخص المدرب بيب جوارديولا.
بالعودة للأهلى، نرى أن الإنفاق خلال الأشهر الماضية تاريخى وغير مسبوق، ومع ذلك لم يلب الطموحات والأمنيات فى عهد «لاسارتى»، لكنه قد يفعل فى عهد مدرب جديد يجد فيه النادى مشروعه.
والمدرب صاحب المشروع لا يحتاج بالضرورة إلى سيرة ذاتية قوية أو تاريخ كبير، لكنه يحتاج لتوافر سمات شخصية بعينها، من بينها الطموح المدعوم بالذكاء والتخطيط الدائم، وهو ما قد يتوافر فى «فايلر»، الذى يكشف مشواره أنه رجل كافح من القاع بحثًا عن القمة، وشهدت حياته تطورًا عامًا تلو الآخر.
ففى دورى الشباب، بدأ «فايلر» مشواره فى سويسرا، ثم انتقل للدرجة الثانية، وبعدها رحل للدرجة الثانية فى ألمانيا، وعمل فى الدورى الممتاز السويسرى، إلى أن وصل إلى تدريب بطل بلجيكا أندرلخت.
هذه التحركات توضح أن هذا الرجل يعرف كيف ينتقل من سلم إلى آخر، وأن حياته تشهد تقدمًا مستمرًا، ما يبين أننا أمام شخص طموح فعلًا، كما قالت إدارة الأهلى.
كما أن الرجل نجح مع أندرلخت بطل بلجيكا قبل موسمين، وهذا مؤشر جيد ومهم، فلا يمكن النظر إلى أندرلخت أنه مجرد فريق صغير أو أقل من الأهلى، خاصة أن لاعبيه أكثر إجادة ومنافساتهم الأوروبية أكثر قوة. ففى «اليوروبا ليج» قدم هذا الرجل بطولة رائعة للغاية، وفى الدور ربع النهائى لعب أمام مانشستر يونايتد المتوج باللقب حينها مع «مورينيو»، وقدم مباراة تاريخية ذهابًا وإيابًا، ولم يخسر سوى فى الدقيقة ١١٣ من اللقاء.
كما لعب أيضًا مباريات رائعة أمام كبار أوروبا، وهنا يتضح عامل آخر يصب فى صالحه، هو أنه يجيد اللعب مع الكبار، الأمر الذى عاب «لاسارتى» الذى لمع أمام الأندية الصغيرة وفشل أمام بيراميدز وأندية إفريقيا.
«فايلر» أيضًا صاحب شخصية قوية، بمعنى أنه يُجيد السيطرة ويعيق تدخل أى إدارى فى عمله، وهذا أمر افتقده الأهلى فى السنوات الأخيرة، نظرًا لوجود مساعدين مصريين كانوا عينًا للإدارة على الجهاز الفنى وتوغل بعضهم فى عقول المدراء الفنيين، وعلى العكس هنا، فإن «فايلر» نجح فى أن يأتى بجهاز كامل مستقل لا يقبل التدخل، وهذا عامل آخر يصب لصالحه.
ومع هذه السمات الشخصية، يملك «فايلر» واحدة من أهم المميزات هى المرونة التكتيكية، فعندما تبحث فى طريقة اللعب التى يُجيدها تراه غير متجمد خططيًا، فهو يلعب بطريقة ٤/٣/٣ ومشتقاتها، ويستعين بـ٤/٢/٣/١ أحيانًا، ولا تغيب عنه ٤/٤/٢، كما أنه يستبدل الشكل العددى والخطة حسب النادى الذى يدربه وبما يناسب اللاعبين والأدوات التى يمتلكها، وهذا أمر يحتاجه الأهلى بشدة، الذى يجب عليه أن يغير الطريقة التى يلعب بها منذ ٨ سنوات وأكثر.
ومع هذه العوامل المهمة التى تنحاز لصف «فايلر»، نجد الرجل يفتقر السيرة الذاتية القوية، وهذا أمر لا يمكن الارتكاز عليه كفاعل وحيد فى نجاح أى مسيرة، خاصة بعدما هلل الجميع لـ«لاسارتى» عندما جاء، وتغنت الملايين بمارتن يول، ومدحت بالأشعار «بيسيرو».
ولا يمكننا هنا أن ننسى مانويل جوزيه الذى عاش أكثر من ٣٠ عامًا مدربًا فى البرتغال لا يعرفه سوى قليلين، قبل أن يأتى للأهلى ويعرفه العالم أجمع، حتى إن كثيرًا من البرتغاليين وضعوه قبل «مورينيو» كأفضل مدرب فى بعض السنوات.
وإذا كانت المعايير التى ذكرناها هى سبب اختيار الأهلى لـ«فايلر»، فإن هذا الاختيار سيكون ناجحًا وسيهزم توقعات الجميع السلبية إذا آمن الجميع بالمدرب، وهو ما يمكن أن نلمسه من حديث «الخطيب» فى آخر جلسة مع لاعبى الفريق حين قال: «لا تنشغلوا بالسوشيال ميديا ولا الاعتراضات، لأن فايلر مدرب رائع وسينجح»، وهذا الأمر يعنى أنه مؤمن به، وأنه قد يكرر نجاح «لابورتا» مع «جوارديولا».
فى المقابل، إن صح ما قاله بيان الأهلى إنه فاوض «سباليتى» الذى حالت الظروف وحدها دون مجيئه، فإن هذا يعنى أن كل المعايير السابقة لم تكن هى المحدد الرئيسى للاختيار، ما يعنى توقع فشل التجربة، والزمن وحده هو ما يكشف أى العوامل كانت سببًا لاختيار المدير الفنى الجديد، وأى التوقعات قد تتحقق على أرض الواقع.