رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ينجو محمد صلاح من سقوط ليفربول؟

محمد صلاح
محمد صلاح

هدفان فقط سجلهما وصنع ٣ أخرى، ونتائج مهزوزة، جعلت فريقه فى منتصف الدورى الإنجليزى، هى مقدمات لبداية ربما الأسوأ فى مسيرة نجمنا محمد صلاح مع فريقه ليفربول.

لا يستطيع أحد إنكار تراجع منظومة ليفربول ككل، وأنها بالتبعية أثرت بالسلب على الأفراد، وفى مقدمتهم محمد صلاح، لكن ما يعنينا فى هذا الموضوع هو التركيز على «مو»: هل يقدم أفضل ما لديه بعيدًا عن العمل الجماعى؟

قبل انطلاق الجولة الأخيرة ضد أرسنال، لعب محمد صلاح ضد برايتون فى المباراة التى انتهت 3-3 ولم يسجل، وكانت مساهمته فى صناعة هدف فيرمينو «صدفوية» بشكل مضحك.

فى هذا المباراة بالتحديد بدا «مو» فى أضعف وأقل حالاته، وخرج من المباراة بالتقييم الأسوأ فى الفريقين. الأمر لم يكن له علاقة بالمرة بأن الفريق منهار، لكن يعود بالأساس للكيفية التى تصرف بها «صلاح» فى مواقف سهلة، كان مطلوبًا منه فيها أبسط الأمور.

كانت البداية التى كشفت عن غياب التركيز وتأثر ثقة «صلاح» فى هذه المباراة، حينما أضاع انفرادًا سدد بيمينه فى جسد الحارس، بينما كانت الزاوية البعيدة مفتوحة تمامًا، ويمكنه التسجيل بعينين محجوبتى الرؤية، إذا أعيدت الكرة ذاتها 100 مرة.

بعد دقائق استقبل «صلاح» تمريرة فى موقع مثالى بالقرب من نقطة الجزاء، كان بمقدوره التسديد، أو الترويض ثم الإنهاء. لكنه أساء التصرف، فهو لم يسدد أو يستقبل الكرة، وفعل شيئًا غريبًا لن تجد له مسمى سوى فى لغتنا العامية «قلش»، ولحسن حظه وجد فيرمينو قادمًا من الخلف لينقذه وينقذ فريقه بالهدف الأول.

فى الشوط ذاته، امتلك «صلاح» فرصة تسديد مرتين أخريين، واحدة ذهبت إلى المدرجات، وأخرى فى أحضان الحارس وكأنها تمريرة.

هنا الأمر غير مرتبط بالمرة بسوء الفريق على المستوى الجماعى، لكنه يعبر عن طريقة تصرف «صلاح» فى مواقف بديهية، لم يكن فيها بحاجة لتحرك من زميل أو عون من أحد، وكان مصيره مرهونًا فقط بالكيفية التى ينهى بها هجمته.

هنا فقط يمكننا أن نقول بأن «صلاح» يمر بمرحلة اهتزاز ثقة، أدت إلى قلة تركيز، ما أفقده الفاعلية المعتادة.

قبل انطلاق الجولة الأخيرة من «البريميرليج» حل صلاح فى الترتيب 42 لأكثر اللاعبين محاولة على المرمى، وهو رقم يعكس كثيرًا التراجع الكبير لقائد منتخب مصر.

صحيح لا ينكر أى متابع فى العالم أن «الريدز» أقرب إلى الانهيار كمجموعة، لكن أيضًا لا يستطيع أحد إنكار أن البرازيلى روبرتو فيرمينيو يعيش فترة جيدة للغاية، وأن أليسون أنقذ فريقه بشكل استثنائى، وأن لويس دياز بدأ الموسم جيدًا، وكان أكثر زملائه فاعلية قبل أن يعود إلى الدكة.

وحتى لا يكون «صلاح» جزءًا من الانهيار والسقوط إذا واصل ليفربول انحداره، فعليه بكل تأكيد أن يستعيد ذاته، وأن يفصل بين التراجع الجماعى وما هو مطلوب منه وكيف يتصرف فى المواقف العادية.

بات محمد صلاح بحاجة كبيرة إلى التعامل مع هذه المرحلة بإعداد نفسى مختلف، وسيكون الدور الأكبر عليه وليس على يورجن كلوب، لأن الأخير يتعرض لضغوط أكبر ويبحث عن مخرج سريع.

لذا ربما تجد يورجن كلوب غير معتنٍ بـ«صلاح» كفرد، بقدر اعتنائه بطريقة إنقاذ المجموعة، وهو ما دفع المدرب الألمانى إلى تغيير طريقة اللعب فى دورى الأبطال إلى «4-4-2»، ثم خرج فى المؤتمر الصحفى الأخير وقال إنه سيستعين بهذه الطريقة وغيرها، حتى لا يكون فريقه متوقعًا للخصوم.

فى هذه الطريقة سيبتعد «صلاح» عن المرمى أكثر لحساب المهاجمين الصريحين، سيحتاج إلى دور دفاعى أكبر، وهذا أمر سيتعبه كثيرًا.

صحيح أن «صلاح» بمقدوره اللعب كمهاجم ثانٍ فى عمق الملعب بدلًا من الجناح، لكن هذا لن يدوم طويلًا، وسيقاسمه فيه فيرمينو وجوتا ونونيز، وربما يمتلك ثلاثتهم فرصًا أكبر؛ لأنهم يجيدون هذه الأدوار أكثر، كما أن تعويل «كلوب» على الكرات العرضية يجعل حظوظهم أكبر.

ما نود قوله هنا إن «صلاح» لكى يستعيد تركيزه وثقته بنفسه، عليه ألا ينتظر عون الجماعة، وأن يعول كليًا على الذات.

النظر إلى اللحظة وطريقة الاستفاقة الآن هو ما يجب أن يركز عليه تمامًا، لأن هذا الأمر سيخلصه من ضغوط كثيرة، متعلقة بصراع الأفضل فى الدورى الإنجليزى، والتنافس على لقب الهداف.

إذا اعتنى «صلاح» بالعمل على الخروج مما يعيشه الآن، وتناسى أن هناك «وحشًا» اسمه إيرلنج هالاند لا يستطيع منافسته أحد، سيعود مستقبلًا ليطارده، لكن المطلوب منه أولًا ألا ينشغل به، وألا يشغله سوى نفسه الآن.

بعد شهر أو اثنين، سيكون ليفربول أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يستعيد الفريق اتزانه ويعود للمنافسة، أو أن يفقد الأمل فى التتويج بطولة «البريميرليج»، لكنه حينها سينجو من الضغوط وسيعمل بأريحية أكبر، وفى الأدوار الإقصائية لأبطال أوروبا سيكون شرسًا.

فالفريق ما زال يمتلك لاعبين رائعين، وفى المواجهات المباشرة ببطولة دورى أبطال أوروبا يحتاج الأمر إلى فريق يفوز مرتين فى الأسبوع، والخصوم لا يتكتلون مثل الدورى الإنجليزى، والمساحات تظهر بشكل أكبر، ويمكنك الرهان على تحولات «كلوب» ثانية وثالثة وعاشرة.

لخص يورجن كلوب أزمة فريقه فى افتقاد الثقة، وقال فيرجل فان دايك: «لسنا بحاجة سوى للتلاحم والاتساق».. كرر المدافع الهولندى كلمته هذه ٧ مرات فى إجابة عن ٤ أسئلة، ليؤكد، كما ذكر مدربه، أن أزمة الفريق ذهنية.

ومع مكاسب متتالية ستعود الثقة، وهذا سيحدث الآن أو مستقبلًا، لكنه سيحدث حتمًا، وبمجرد استعادة الثقة واختفاء الضغوط من على اللاعبين المتهمين بالفشل، سيعود ليفربول فى النصف الثانى من الموسم قويًا للغاية.

حينها سيعود محمد صلاح أقوى وأشرس وأقدر على فعل كل شىء، لكن الأهم بالنسبة له أن يركز على النجاة من اللحظة، وأن يتكشف قوته الآن من أجل العبور.