رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

آخر السحرة.. وليد سليمان يودع «القلعة الحمراء» من الباب الكبير

وليد سليمان
وليد سليمان

الأهلي في مخيلته أكثر من مجرد ناد، ومكانة جمهوره لا يضاهيها شىء في قلبه، وارتباطه بالكيان لا توازيه ملايين الدنيا.

قبل أن يرتدي القميص الأحمر، كان بين قلائل ينادي جمهور الأهلي عليهم، قبل انطلاق المباريات، وهم خصوم.

كان يعشقونه قبل حتى أن يرتبط بهم أو يرتدي قميص ناديهم، وكذلك كان في المقابل خير من يمثلهم، ويعبر عن هويتهم، فاشترى حبهم بالغالى.

وليد سليمان قصة تكتب سطورها الأخيرة في الملاعب، لكنها ستبقى خالدة وباقية تتوارثها الأجيال للتعبير عن معاني الانتماء، وستكون مدلولاً واضحاً ومباشراً لفكرة التضحية من أجل الكيان.

منذ اليوم الأول، كان وليد سليمان نموذجًا للاعب الذي ضحى بكل شىء، من أجل ارتداء قميص النادي الذي 
يحبه.

4 سنوات كاملة قضاها «الحاوي» في صراعات مع إدارات الأندية البترولية، من أجل تحقيق حلمه. مرض، وأصيب بالانهيار العصبي، وعانى الويلات، حتى استسلموا لإرادته، وسلموا بأنه لا شىء سيمنع اكتمال الحكاية الجميلة التي جمعت «وليد» بالأهلي والأهلاوية.

كان من المفترض أن ينتقل من بتروجيت إلى الأهلي، لكن وزير البترول تدخل بنفسه حينها، وأمر بانتقاله إلى إنبي، لرغبته في المنافسة على البطولات، وفي سبيل ذلك قرر دفع رواتب تنافس الأهلي والزمالك.

ولأنه لم يسع يومًا إلى المال، ولم تكن الثورة مبتغاه، كما آخرين سقطوا في السطور الأخيرة، أصر على موقفه، حتى نال مراده ودخل قلعة الجزيرة.

ويُعد وليد سليمان حلقة الوصل بين جيلين تاريخيين، فقد حضر اختتام المسيرة العظيمة لجيل «تريكة وبركات»، وكان أحد أهم فرسانه، في سنواته الأخيرة، مع المدربين المصريين بالتحديد، ليسطر تاريخًا طويلًا.

 ووصل مع الجيل الحالي لأرقام قياسية تناطح ما قدمه الجيل العظيم رفقة البرتغالي مانويل جوزيه، وبين هذا وذاك تحمل تبعات الانتقال من مرحلة وجيل إلى مرحلة وجيل آخرين، كانت الأمور خلالهما في أشد قسوتها، ولا يحتملها سوى شخص قوي عنيد.

قرابة 11 عامًا قضاها وليد سليمان داخل جدران «القلعة الحمراء»، لم يتغير يومًا، فمثلما دخل عاشقًا محبًا للكيان قبل أن يكون لاعبًا محترفًا، ها هو يصل محطته الأخيرة بنفس الحالة التي بدأ عليها، ولم تؤثر فيه المغريات والتغييرات، بعد مسيرة حافلة جعلته مطلب الجميع.

في أشد مراحل تألقه وبينما تتهافت عليه العروض، لم يقل يومًا: «أريد تأمين مستقبلي»، مثلما يتذرع كثيرون للهروب أمام إغراءات الخليج، وفي المفاوضات الأخيرة لتجديد عقده عرض عليه بيراميدز أرقامًا خرافية، أملًا في خطفه مثلما حدث الأمر مع أكثر من لاعب داخل الأهلي، خلال السنوات الأخيرة، لكن جوابه كان مختلفًا، وارتضى بالسقف الذي وضعه مجلس الإدارة، حتى لوكان بعيدًا عن المتاح له، لتبقى مكانته في قلوب الأهلاوية مختلفة عن كل جيله.

مواقفه التي تعبر عن ارتباطه بالكيان يمكنك اختصارها في تصريح سابق لـ«كهربا»: «وليد سليمان قالي نار الأهلي ولا جنة الآخرين».

أما عن إخلاصه طوال مسيرته، فعليك بالنظر لما قال عنه سعد سمير، وهو في هذه السنة المتقدمة: «وليد سليمان ما زال أول لاعب يحضر في النادي قبل التدريبات».

إذا دفعت به نصف ساعة لا يعترض، ربع الساعة لا يعترض، دقيقتين لا يعترض، وفي كل مرة يكون خطرًا فعالًا قادرًا على الإضافة.

لم يستغل اسمه أبدًا في تجييش مشاعر الجماهير ضد مدربه مثل آخرين، ولم ينجرف نحو شهوات شخصية كما يفعل بعض النجوم، ومثلما دخل النادي مؤمنًا بأن الأهلي فوق الجميع، هاهو ينتقل من منطقة إلى أخرى بنفس الاعتقاد، فمثل هؤلاء يظلون في الأهلى مدى الحياة ولا يغادرونه أبدًا، ولا يمكنك أن تعتبر اعتزالهم خروج، بل مجرد انتقال.