رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

نصر أكتوبر والأسطول الأصفر.. حكايات كرة القدم والأولمبياد في قناة السويس

الأسطول الأصفر
الأسطول الأصفر



«إنه أسعد أيام حياتي»، هكذا عبر الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، عن يوم إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة البحرية، بعد استعادة الأراضي المحتلة في سيناء، منذ يونيو 1967؛ والتي استردتها قواتنا الباسلة في حرب السادس من أكتوبر 1973؛ والتي نحتفل اليوم بمرور الذكرى الـ48 على اندلاعها؛ ففي مثل هذا اليوم وفي الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرًا، بدأت العملية «بدر» والتي كان هدفها عبور أصعب مانع مائي في العالم "قناة السويس" واستعادة الأراضي المحتلة في سيناء.

بدأت الحرب بضربة جوية مباغتة، شلّت قدرات العدو، وأنهت أسطورة سلاحه الجوي الذي لايقهر، وتبعها عبور فرق المشاة وأفرع القوات المسلحة المصرية لقناة السويس، وإنهاء أسطورة أخرى وهي"خط بارليف المنيع"، ورفع العلم المصري على ضفة قناة السويس الشرقية.

هو يوم للفخر، والعزة والكرامة.. لكن ماذا عن أحوال قناة السويس بين يونيو 1967، ويونيو 1975؛ وماعلاقة التاريخين بالرياضة وكرة القدم.. هذا ماسنسرده لكم في السطور التالية.

4 يونيو 1967، يوم عادي لا جديد فيه، سفن قافلة الجنوب بدأت في الدخول لمنطقة البحيرات المرة، من أجل عبور قناة السويس نحو بورسعيد ومنها للبحر المتوسط للعودة إلى رحلتها، ولكن مع بزوغ فجر الخامس من يونيو؛ شاهد طواقم السفن طائرات إسرائيلية حربية، تعبر القناة متجهة لقواعد عسكرية مصرية، إيذانًا ببداية حرب 1967، والتي سميت بحرب الأيام الستة، وظنوا أنهم سينجون من تلك الحرب، وسيعودون لبلادهم سالمين.. لكن في اليوم ذاته، أصدر الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، قرارًا بغلق قناة السويس أمام الملاحة البحرية، لتعلق 14 سفينة في البحيرة المرة الكبرى.

السفن الأربعة عشر، كانت تابعة لدول: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، وفرنسا، وألمانيا الغربية، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، وبلغاريا، والسويد.

بعد انتهاء حرب الأيام الستة، وتحديدًا في 11 يونيو من 1967؛ ورغم تعليمات السلطات المصرية بمنع نزول أي قوارب نجاة من السفن للمياه؛ إلا أن إنسانيتهم دفعتهم لمخالفة تلك التعليمات، وإنزال قوارب النجاة وتنفيذ عمليات إنقاذ للجنود المصريين العائدين من سيناء، ونجحوا في إنقاذ 200 جندي مصري، وشكرتهم الحكومة المصرية، والصحف آنذاك على إنسانيتهم لإنقاذ رجال القوات المسلحة العائدين، خاصة لمخاطرتهم بحياتهم واحتمالية تعرضهم للقصف من الطيران الإسرائيلي.

ومع مرور الوقت، وبدء القوات المصرية لعمليات الاستنزاف لقوات العدو؛ قرر قادة السفن تنحية كل الخلافات بين دولهم، والاتحاد تحت مسمى الأسطول الأصفر، وبتصريح من السلطة المصرية آنذاك، بدأوا في تقسيم الأدوار الخدمية فيما بينهم، بعدما اجتمعوا وقرروا الاتحاد تحت مسمى «اتحاد البحيرات المرة العظمى»، واختاروا شعارًا وعلمًا ونشيدًا وطنيًا لهم، والأخير كان عبارة عن أغنية لفرقة البيتلز الشهيرة اسمها "الغواصة الصفراء"، واختاروا القبطان التشيكي جيم ستاركي، قائدًا للاتحاد؛ وسميت السفن بالأسطول الأصفر، بعد أن كستها رمال صحراء سيناء، وأكسبتها لونها الأصفر.

ومن بين الخدمات الترفيهية التي قدمت على متن السفن، الألعاب الرياضية؛ وخصصت السفينة البريطانية لكرة القدم، والسويدية للسباحة، كما خصصوا لكل لعبة يومًا، فاختاروا يوم السبت لسباقات الزوارق، والإثنين لمنافسات تنس الطاولة، والأربعاء لكرة القدم؛ فضلًا عن مشاهدة الأفلام على متن السفينة البلغارية، والخدمات الطبية على متن البولندية؛ والشعائر الكنسية على متن السفينة الألمانية 



الشركات المالكة للسفن بدأت بالتنسيق مع السلطات المصرية في تغيير الأطقم على السفن كل 3 أشهر، من أجل تخفيف العبء على الأطقم الموجودة على متن السفن، وإرسالهم للاطمئنان على ذويهم، وأثناء قدوم طاقمي للسفينتين البولنديتين، ومع اقتراب انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في مدينة مكسيكو، عاصمة المكسيك؛ اقترحوا إقامة فعاليات أولمبية على سفن الأسطول الأصفر، لتعويض ماسيفوتهم في أولمبياد مكسيكو 1968.

وبالفعل، أقيمت فعاليات 14 لعبة أولمبية بين أطقم السفن، وهي ألعاب: "صيد الأسماك، الجري، الرماية ببندقية ضغط الهواء، رمي الأسهم، القفز العالي، السباحة، التجديف، البولو المائي "كرة الماء"، الإبحار، ورفع الأثقال، وتنس الطاولة وكرة القدم؛ بالإضافة إلى لعبة ثلاثية تضمنت منافسات الرماية والجري والسباحة.










 وصنع أطقم السفن، ميداليات للفائزين يدويًا، لتصبح بمثابة أفضل محاكاة لدورة الألعاب الأولمبية الأصلية.


وأقيمت فعاليات كل الألعاب على متن السفينة جاكرتا البولندية، إلا منافسات كرة القدم، والتي استضافتها السفينة البريطانية إنفركارجيل، والتي كانت أكبر السفن مساحةً؛ ومنافسات تنس الطاولة التي أقيمت على متن سفينة مونسترلاند التابعة لألمانيا الغربية، واحتل البولنديون المركز الأول في المنافسات، وخلفهم ألمانيا والسويد؛ فيما فاز الانجليز بذهبية كرة القدم.








واستمر الحال في اتحاد الأسطول الأصفر، من نكسة 1967، مرورًا بحرب الاستنزاف، وصولًا لانتصار 1973؛ وفي الخامس من يونيو 1975، أعلن الرئيس أنور السادات، فتح قناة السويس للملاحة البحرية من جديد، لتعود هذه السفن أدراجها وتنهي حكاية الدولة الأكثر حيادًا بين حروب باردة وأخرى طاحنة.