رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صلاح.. بطل لم يحلم به هتشكوك

محمد صلاح
محمد صلاح

«عليك أن تجعل الجمهور يعاني لأقصى درجة»، بهذه الكلمات المقتضبة عبر المخرج البريطاني الشهير ألفريد هتشكوك، عن أسلوبه السينمائي، والذي تشابه لحد كبير مع ما عايشته الجماهير المصرية في تاريخها الكروي الحافل بالصدمات. 

ويحتفل اليوم الدولي الوطني، محمد صلاح، لاعب ليفربول، وأحد أفضل المهاجمين حول العالم، بعيد ميلاده  الـ«29»، ويعيد «الكابتن» نشر هذا التقرير.


ربما كان أفضل مثال عن أسلوب هتشكوك السينمائي هو تلك الفترة التي شهدتها جماهير الكرة المصرية مع سنوات الفرص الضائعة بتصفيات المونديال، والتي أنهاها، فخر العرب، محمد صلاح، عندما استطاع أن يقضي على أسطورة الكرات الضائعة في آخر دقائق، ويصل بالفراعنة لمونديال روسيا بعد غياب 28 عامًا.

طالت المقدمة، لكنها وإن طالت فلا توفي بحق، الملك المتوج على عرش إفريقيا، بعد حصوله على جائزة أفضل لاعب في القارة السمراء. 

لم يكن يعلم الفتى المحبط بعد تصريح رئيس أحد أكبر أندية بلده، والقارة أنه لا يصلح لارتداء القميص الأبيض ذي الخطين الحمر، أن معاناته مع القطارات والتنقل بين القاهرة وبسيون ستتوج بالتربع في قلوب كل محبي الساحرة المستديرة في مصر، بل التربع على عرش القارة السمراء.

لم يتوقف صلاح عند تلك اللحظة التي كانت بالنسبة له وقتها الأصعب، لكنه لم يكن يدري وهو يقاتل من أجل حُلمه أنها ستكون بداية الحُلم الحقيقي، احتراف في سويسرا بنادي بازل من بوابة المقاولون العرب، تألق أوروبي، وهز شباك أحد أعتى منظومات مورينيو الدفاعية في تشيلسي.

مرة أخرى يلعب هتشكوك دوره في إفراز الهرمونات بأجساد المشاهدين، فيجلس صلاح موسمًا كاملًا على دكة بدلاء البلوز، ثم يبث الأمل مرة أخرى بانتقاله إلى فيورنتينا ومنه إلى روما، ثم زيادة الحبكة الدرامية ويصل صلاح إلى ليفربول حاملًا آمال أمة بأكملها على كتفيه، ويترشح لجائزة أفضل لاعب إفريقي المقدمة من الاتحاد الإفريقي للعبة.

بدأت حكاية الفراعنة  مع لقب الأفضل في إفريقيا، بعد تتويج الخطيب على عرش أفضل لاعب في القارة السمراء عام  1983، وهو حدث جلل ارتفع به شأن بيبو بين أقرانه بالقارة، خاصة أنه أول من حقق هذا اللقب بعد علي أبوجريشة، وحسن شحاتة.   

ثم كعادة أفلام هتشكوك لم تطرق المعاناة الأبواب، بل اقتحمت إلى القلوب وأفرزت هرمون الأدرينالين سريعًا ففي العام التالي ترشح زميله إبراهيم يوسف، أحد أفضل من شغل مركز الظهير الأيمن في تاريخنا، وترقب أبناء النيل أن يخلف بيبو، ولكنه لم يحققها حتى في العام التالي. 

غاب الفراعنة عن ترشيحات الأفضل لفترة وصلت إلى الـ18 عامًا،  تهيج خلالها هيرمون الأدرينالين في أجساد الفراعنة، حتى وصل لمرحلة قصوى، لكنه لم يخرج بسبب صدمة اللحظات الأخيرة، ولكن بسبب تألق طاهر أبوزيد، وحسام وإبراهيم حسن - على سبيل المثال وليس الحصر- ربما شابهت وقتها فيلم «فيرتيجو»، الذي تسبب فيه لمخرج الهتشكوكي بإثارة الرعب والشكوك في كل من شاهدوه.

ثم عادت الآمال لتعقد مرة أخرى في 2002  على أحمد حسام ميدو، ذلك الشاب صغير السن، المحترف ضمن صفوف  آياكس أمستردام وقتها، إلا أنه عاد وخسرها لصالح الحاج ضيوف، واستمر هتشكوك في خلق الصراعات، وفرز الكمية الأكبر من هيرمون الأدرينالين- وهو  هرمون يفرز عنند الإحساس بالخوف.

وانتظر المصريون 6 سنوات حتى عاد محمد أبوتريكة، لاعب الأهلي السابق، إلا أن تألق الأخير في الملاعب وحصده لقب دوري الأبطال، لم يشفع له ففاز بها إيمانويل أديبايور، لاعب آرسنال. 

ليكتمل الصراع النفسي المحبب لهتشكوك، انتظر الفراعنة 9 سنوات إضافية، ليترشح ذلك الشاب البسيط القادم من محافظة الغربية، للقب الأغلى في القارة؟

تتجدد الآمال مرة أخرى بعد أن قتلتها صراعات سايكو هتشكوك، لنصل إلى النقطة التي أفرزت فيها أجساد المصريين كل الأدرينالين تقريبًا، وتراصوا أمام شاشات التليفزيون منتظرين انتهاء الفقرات الغنائية المبالغ فيها، وإعلان نجلهم، كما يرددون، كأفضل لاعب في القارة، وهو ما كان لينهي العبقري هتشكوك واحدًا من أفضل أفلامه بالطريقة المثلى.

لربما لم يخطر على بال محمد صلاح، ذلك الشاب القادم من مركز شباب بسيون، إلى اختبارات نادي المقاولون العرب، أنه سيصبح يومًا ما واحدًا من أفضل لاعبي الكرة في مصر،  ثم تفضيله الرحيل ليضع اسمه في مصاف لاعبي الفئة الأولى، ربما إن التفت صلاح لذلك التصريح الذي أدلى به ممدوح عباس، رئيس الزمالك في 2011 أنه لا يصلح، لم نكن لنرى صلاح في حفل الليلة، توغل إلى القلوب، وباتت الأعين تغرورق بالدموع في كل مرة ظهر فيها ساجدًا بملاعب القارة العجوز، وتتعالى الأصوات هاتفة: صلاح صلاح. 

ظل الخصوم يتساقطون أمامه حتى توج على عرش هدافي الدوري الإنجليزي برصيد 32 هدفًا، وأجمع عليه الجماهير والنقاد ورابطة الأندية، بل العالم أجمع بأنه الأفضل في هذا الموسم.

حبكة سينمائية أخرى من النوعية المحببة لهتشكوك، ليفربول يتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا، فتأتي الصدمة، ويخرج صلاح مصابًا من في الشوط الأول من المباراة، خفقات قلوب المصريين تتزايد، الخوف يسيطر على الجميع، هل يشارك صلاح في المونديال؟ كيف يغيب عن أهم إنجازاته الكروية؟.

واستمرت الحبكات الهتشكوكية في مشوار محمد صلاح الكروي، لكنها حتى الآن لم تكشف عن كل خباياها؛ فمازالت جعبة مو صلاح بها الكثير والكثير.