رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهمة 2022.. كيف يعيد حسام البدرى أمجاد الكرة المصرية؟

البدرى
البدرى

رغم تحفظ وزير الرياضة عليه، وإصرار محمد فضل، الرجل الأقوى فى لجنة إدارة اتحاد الكرة على إبعاده، وخصومته مع جمهور الأهلى، شاءت الأقدار فى النهاية أن يكون حسام البدرى مديرًا فنيًا للمنتخب الوطنى الأول، وذلك بتحول درامى خلال الساعات القليلة التى سبقت الإعلان الرسمى.

فلم يكن فى حسابات مدرب الأهلى الأسبق، الذى فقد الأمل وغادر إلى كندا بعدما انحسرت المفاضلة بين إيهاب جلال وحسام حسن، أن الأمور ستتبدل وسيتم إبلاغه هاتفيًا بالعودة إلى مصر لتولى مهمة تدريب «الفراعنة »، لكنه فى النهاية جاهز للحلم الذى سعى إليه كثيرًا.

ماذا ينتظر «البدرى » مع المنتخب؟، وكيف يتخلص من الأزمات الفنية للوصول إلى مونديال 2022 بحالة مثالية؟.. أسئلة نحاول الإجابة عنها فى السطور التالية.



استرداد الهوية والاستفادة من سهولة التصفيات.. وإبعاد العناصر القديمة

عاش منتخب مصر حقبتين صعبتين للغاية، مع الأرجنتينى هيكتور كوبر والمكسيكى خافيير أجيرى، بعد أن افتقد مع الأول الهوية الهجومية والكرة الممتعة، وافتقد مع الثانى أى هوية وعانى من غياب الشخصية المصرية، وصار الأداء عشوائيًا لأبعد حدود، مهما غير الطريقة والشكل والعناصر فالمحصلة واحدة، لذا ستكون مهمة «البدرى» صعبة للغاية، لأنه مطالب فى البداية بالبحث عن هوية المنتخب المصرى، وبناء استراتيجية لعب واضحة، فضلًا عن استبدال عدد من العناصر التى لم تعد مناسبة للمرحلة، وإدخال عناصر جديدة قادرة على إحداث التغيير المطلوب.
مبدئيًا، «البدرى» ضمن مدربين قلائل يُجيدون العمل بعد الظروف الصعبة، ويستطيع تكوين وبناء مشروع بعد مرحلة من التراجع. حدث ذلك مع الأهلى مرتين، الأولى حينما غادر مانويل جوزيه وبدأ الجيل الذهبى فى الاعتزال، فبنى فريقًا قويًا بكل من وليد سليمان، ومحمد ناجى «جدو»، وعبدالله السعيد، وغيرهم، والثانية بعدما عاش «الأحمر» أسوأ مراحله فى انطلاقة حقبة محمود طاهر، فجاء وأعاد إليه شكله وهيبته بعناصر جديدة مثل جونيور أجاى وعلى معلول ووليد أزارو وعمرو السولية.
لكن تحدى المنتخب أصعب بكثير لعدة أسباب، أولها اختلاف الظروف المحيطة بالعمل فى الأندية عنها فى المنتخبات، بمعنى أنك مع النادى تتدرب كل يوم وتلعب كل أسبوع فتستطيع تعليم أفكارك وتبنى خططك فى وقت أسرع، بينما الأمر مع المنتخبات مقصور على تجمعات متباعدة، وهذا يحتاج للاعبين أكثر جاهزية.
ورغم صعوبة التحدى فإن «البدرى» محظوظ أيضًا، لأن القطبين الأهلى والزمالك فى حالة جيدة، ولدينا جيل صاعد فى المنتخب الأوليمبى جميع عناصره تلعب مع فريقها الأول، ذلك إلى جانب المحترفين، كما أن الفرصة متاحة أمامه لبناء استراتيجيته وتجريب أفكاره، لأنه سيلعب مباريات ليست بالصعبة فى مشوار التصفيات الإفريقية، أمام كينيا وتوجو وجزر القمر.
ومع سهولة تلك المباريات، وارتفاع مستوى القطبين، ووجود منتخب أوليمبى قوى، فإن «البدرى» مطالب من البداية بإبعاد بعض العناصر التى تلعب منذ سنوات طويلة، حيث جاء الوقت لإبعادها وتجريب عناصر جديدة فى الفترة الأولى على أقل تقدير.
وإذا تحدثنا عن أسماء بعينها لا بد أن تخرج، فسنجد طارق حامد ومحمد الننى وعبدالله السعيد، خاصة أن جميعهم لا يناسب أسلوب وفلسفة «البدرى»، إذا استثنينا «السعيد» فى وهج تألقه، لكنه حاليًا لم يعد لديه ما يقدمه، فـ«البدرى» تقوم فلسفته على الاستحواذ الدائم على الكرة وعدم تركها للخصم، لذا فهو يحتاج دائمًا إلى لاعبين يُجيدون التحكم بالكرة والتمرير والتسلم تحت الضغط، لذا فهو ليس فى حاجة لطارق حامد بالتحديد فى تركيبة وسط الملعب.


السولية وفتحى ودونجا أبرز رجال المرحلة المقبلة.. وأفشة ورقة تكتيكية مثالية

كانت ولا تزال «أم الأزمات» فى منتخب مصر هى الرهان الدائم على وسط ملعب نمطى، لا يجيد أى من لاعبيه الابتكار، ولا يعرفون ماهية الحلول الفردية، وبينهم وفكرة تسجيل الأهداف خصومة غير مفهومة.
فى المقابل، لم يعد العالم حولنا يعتمد على لاعب الارتكاز الموظف، الذى يقتصر دوره على إفساد الهجمات ومطاردة الخصوم، وبات شرطًا رئيسيًا كى تخطف السيطرة وتمتلك المبادرة أن يكون لديك لاعب وسط يهاجم ويصنع ويتحكم فى النسق، قبل أن يكون مفسدًا للهجمات، وهذا ما تميز به إسماعيل بن ناصر، لاعب ارتكاز منتخب الجزائر الذى فاز بجائزة أفضل لاعب فى بطولة أمم إفريقيا الأخيرة.
ومخطئ من يعتقد أن مصر لا يوجد فيها مثل «بن ناصر»، فلدينا كثير من العناصر التى تحتاج إلى زرع الثقة من الآن، ومنحها فرصة لاكتساب الخبرة الدولية قبل الوصول إلى أمم إفريقيا ٢٠٢١.
على رأس تلك العناصر حمدى فتحى، لاعب ارتكاز الأهلى، فهو مفسد هجمات من الطراز الرفيع بفضل ذكائه فى قراءة التمريرات وتحركات لاعبى الخصم، وفى التوقيت ذاته رائع جدًا فى عملية بناء الهجوم، وذكى فى التحكم بنسق ورتم المباراة، ويعرف أين يتوجه بالهجمة ومتى يسرع الأداء ويبطئه.
أيضًا تجده فى الأمام يتقدم ويسجل، فعلها الموسم الماضى مع الأهلى فى مرات كثيرة، وكان الجميع يتعجب كيف للاعب ارتكاز أن يتواجد فى مناطق الخصم، لكنه الحس التهديفى والذكاء فى التحرك، فاللاعب ليس دمية توظفها فى دائرة، ودائمًا ما يحتاج إلى الابتكار والتحرر من الالتزام الكامل، وهو النوع القادر على إحداث الثورة والإضافة فى أى فريق، لذا أجد حمدى فتحى مناسبًا تمامًا لفكر «البدرى»، لأنه كان يحب توظيف لاعب بمواصفات مشابهة فى الوسط دائمًا، فراهن على رامى ربيعة كثيرًا، لأنه يمتلك مواصفات مماثلة فى البناء والهجوم واللعب بالرأس والتسديد.
مع حمدى فتحى يبرز عمرو السولية، أحد العناصر المفضلة لدى «البدرى»، الذى تألق معه فى الولاية الثانية وكان له دور بارز فى النتائج الجيدة التى حققها الفريق، وهو يتميز عن محمد الننى بأنه يضغط ويدافع بقوة، وأسرع منه فى الصراعات الثنائية، كما أنه أفضل فى الهجوم والتقدم، ويُجيد اللعب فى مركزى الـ٦ «محور الارتكاز الدفاعى» والـ٨ الذى يتطور إلى أدوار هجومية.
ثم يبرز نبيل عماد «دونجا»، نجم بيراميدز، الذى يمتلك المواصفات ذاتها، فهو يُجيد البناء من الخلف وصناعة اللعب بشكل جيد، والذكاء فى إفساد هجوم الخصم.
باختصار شديد، يمكننا القول إن هذه النوعية من اللاعبين، وهذا الثلاثى على وجه التحديد هو النوع الذى يلعب كرة القدم، ولا يقتصر دوره على الجرى وراء الكرة ومطاردة الخصوم.
أما فى الوسط الهجومى، فستظهر عناصر جديدة رائعة مثل محمد مجدى «أفشة»، الذى سيُعد الورقة التكتيكية المثالية لـ«البدرى»، لأنه، إضافة إلى مهاراته الفردية وإجادته الهجومية، لاعب منضبط تكتيكيًا وينفذ الأفكار كما تُطلب منه نصًا مثلما شاهدناه فى مباراة القمة الأخيرة، وسنعود لنشرح لاحقًا كيف سيحتاج «البدرى» لـ«أفشة» أكثر من غيره فى الجزء الأخير.
وفى المركز ذاته، ينبغى النظر أيضًا إلى محمد محمود بعد عودته من الإصابة، لأنه بين أفضل اللاعبين فى وسط الملعب، ويمتلك مواصفات نفتقدها منذ سنوات طويلة، ويعد الأقرب إلى حسام غالى.

الدفاع خلف صلاح أكبر الأزمات.. وطاهر ومحسن ومصطفى قادرون على إحداث طفرة بمركز المهاجم الصريح

فلسفة «البدرى» دائمًا ما تقوم على امتلاك الكرة والاستحواذ عليها، والميل إلى الالتزام الخططى المحكم بعودة جميع لاعبى الفريق واندماجهم فى المنظومة الدفاعية عندما يفتقد الكرة، فهو دائمًا رجل منضبط للغاية داخل الملعب، من خلال جناحين يدافعان طوال الوقت ويعودان إلى الدفاع بشكل دائم. من هنا تبرز أكبر المشكلات، وهى غياب الأدوار الدفاعية للجناح الأيمن محمد صلاح.. فهل سيجبر «البدرى» نجم ليفربول على العودة للدفاع، أم يغير مركزه ليقربه من المرمى ويلعب مهاجمًا صريحًا؟ أم يلجأ لحيلة أخرى؟.. الحل سيكون فى «أفشة»، اللاعب المنضبط الذى ينفذ التعليمات بشكل حرفى. لجأ «كوبر» فى بعض الأوقات لاستخدام صانع الألعاب عبدالله السعيد، وعودته إلى مركز الجناح الأيمن للدفاع بدلًا من «صلاح»، وهى الفكرة التى نجحت فى بعض الأوقات، لكنه لم يستمر فيها، لأن مردود «السعيد» البدنى تراجع ولم يعد قادرًا على أداء كل هذه الأدوار. لكن حالة «أفشة» البدنية، والتزامه الكبير بالأدوار المرسومة مسبقًا تجعله خيارًا مناسبًا لتولى مهمة الدفاع فى الجهة اليمنى، على أن يكون «صلاح» فى عمق الملعب وقت فقدان الاستحواذ، وفيها سيحقق مكاسب كثيرة بإعفاء نجم ليفربول من العودة للخلف، وكذلك تقريبه من المرمى. وفيما يتعلق بمركز المهاجم الصريح، فإن «البدرى» مطالب أيضًا بإحداث طفرة ونقلة، وذلك عن طريق الاعتماد على مهاجم جديد قادر على لعب أدوار أخرى غير العشوائية التى رأيناها مع أحمد حسن «كوكا» ومروان محسن.
«البدرى» يحتاج من الآن لإعادة النظر فى مواصفات المهاجم الذى يحتاجه، فهو بحاجة ملحة إلى مهاجم لا يقتصر دوره على اللعب داخل الصندوق، ولدينا عناصر كثيرة لديها هذه الميزة، مثل طاهر محمد طاهر مهاجم المقاولون العرب، وصلاح محسن مهاجم الأهلى، ومصطفى محمد مهاجم الزمالك. هذا الثلاثى الذى يُجيد اللعب بعيدًا عن مرمى الخصم يشبه أسلوب جونيور أجاى أمام الزمالك فى القمة الأخيرة، مع اختلاف القدرات الفردية، فهم يعرفون كيف يسحبون الدفاعات للأمام ويفرغون المساحات، ولديهم المقدرة على الفوز بالصراعات البدنية والثنائية والحس التهديفى العالى.