رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأب الروحى..تلاميذ ورفاق الجوهرى يحيون ذكرى «جنرال التدريب»

الجوهري
الجوهري

لا يُذكر تدريب كرة القدم فى مصر إلا مقرونًا بـ«الجنرال» محمود الجوهرى، الذى لم يكن مجرد «كوتش» عادى يوجه لاعبيه ويضع الخطط لهزيمة منافسيه، بل كان بمثابة «أب روحى» لكرة القدم المصرية.
«الجوهرى» كان «منظومة كروية» شاملة، قادرة على استخراج كل ما لدى اللاعبين بعد أن تمكن قبلها من حل كل ما يواجهونه فى حياتهم العادية بعيدًا عن الملعب.
فى السطور التالية، ومع اقتراب ذكرى رحيل «الجنرال»، ٣ سبتمبر ٢٠١٢، نفتح صندوق ذكرياته مع عدد من اللاعبين الذين تدربوا على يديه، ورفقاء رحلته التدريبية، لنكتشف معًا الكثير من مشاهد حياته الحافلة، والعديد من المواقف التى عايشوها معه وتعكس تفرده الكبير.



حازم إمام: بعد احترافى قالى«علمنى التدريب الإيطالى»
البداية عند حازم إمام، نجم الزمالك والمنتخب الوطنى السابق، الذى طلبنا منه استعادة شريط ذكرياته مع «الجنرال» فقال: «لن أنسى أبدًا فضل هذا الرجل علىّ، فهو أول من آمن بموهبتى ودفعنى للأمام، عندما صعدنى من قطاع الناشئين إلى الفريق الأول».
ولم يكتف «الجوهرى» بتصعيد «الثعلب الصغير» فحسب، لكن، ولأنه كان دقيقًا للغاية ويركز جدًا فى التفاصيل، طلب من اللاعب الموهوب إجراء تدريبات بدنية منفردة داخل «صالة الجيم» وتنفيذ برنامج بدنى خاص مع الدكتور عمرو المطراوى.
يروى حازم إمام: «طلب منى الحضور مع الدكتور عمرو المطراوى فى التاسعة صباحًا، وعندما حضرت فوجئت به حاضرًا رغم أن هذا ليس دوره كمدير فنى، ووجدته حريصًا على تحفيزى والوقوف بجوارى». وتذكر موقفًا آخر مع «الجوهرى»، وقال: «بعد احترافى فى إيطاليا وانضمامى لأول مرة بعدها إلى معسكر المنتخب الوطنى الأول، فوجئت بالكابتن محمود الجوهرى يجتمع معى بشكل منفرد ويعطينى ورقة وقلمًا، ثم طلب منى كتابة تفاصيل التدريبات التى يؤديها فى إيطاليا، وطريقة اللعب التى يلعب بها الفريق، وهو ما أدهشنى، وجعلنى أسأل نفسى كيف يحرص على التعلم ويكون شغوفًا بهذا الشكل».


عبدالستار صبرى: أنقذنى بإنهاء«أزمة المقاولون»
قال عبدالستار صبرى، صاحب المسيرة الاحترافية الكبيرة فى أوروبا، إن «الجوهرى» كان يعشق عمله بشكل كبير، مضيفًا: «طوال مسيرتى، لم أتدرب تحت يد أى مدرب أحب عمله كما كان محمود الجوهرى».
سألناه: هل ترى «الجوهرى» كذلك حتى لو قارناه بالداهية البرتغالى جوزيه مورينيو، الذى تدربت على يديه فى بنفيكا؟
كان «عبدالستار» واضحًا ومتمسكًا برأيه، وقال: «نعم.. لم أر أى مدرب داخل أو خارج مصر يعشق عمله ولديه احترافية وشغف بكرة القدم مثل محمود الجوهرى»، مضيفًا: «الجوهرى مالوش فى البيزنس ولا أى أمور مما نسمع عنها حاليًا، ويعمل فى كرة القدم لكرة القدم فقط».
وكشف عن أن أبرز ما ميّز «الجنرال» كمدير فنى هو التركيز على التجهيز النفسى والمعنوى للاعبين قبل المباريات، وجعلهم على أهبة الاستعداد، وكأنها المباراة الأهم فى مسيرتهم، بجانب رفع سقف طموحاتهم بشكل كبير، وعدم الاكتفاء بمجرد تحقيق انتصار فى مباراة أو اثنتين.
وعن أهم المواقف الشخصية مع «الجوهرى»، قال: «حدثت مشكلة بينى وبين نادى المقاولون العرب، عند سفرى واحترافى فى أوروبا، وتوترت الأجواء بيننا وقتها، لكن الجوهرى تدخل بنفسه وتحدث مع مسئولى ذئاب الجبل لإنهاء الأمر ببقائى فى أوروبا، لثقته فى تألقى وتقديم مستويات عالية».


جمال عبدالحميد: حفزنا بزوجاتنا فى «إيطاليا 90»
رأى جمال عبدالحميد، نجم الأهلى والزمالك السابق، أن «الجوهرى» هو المدرب الأعظم فى تاريخ مصر، ومن الصعب تكراره، مشيرًا إلى أنه تعلم منه الكثير على الصعيدين الإنسانى والكروى.
وروى موقفًا لا ينساه فى مونديال ١٩٩٠ بإيطاليا، عندما اجتمع «الجوهرى» مع لاعبى المنتخب قبل البطولة، وحاول إزالة الرهبة منهم، عن طريق «محاضرة لا يمكن أن ينساها أى من الحاضرين»، قال فيها: «قاتلوا والعبوا من أجل المصريين.. من أجل أهلكم.. اجعلوا رءوسهم مرفوعة.. هل تريد أن تنزل زوجتك أو والدتك من البيت وهى لا تستطيع أن ترفع رأسها فى وجه الناس إذا خسرنا وقدمنا مستوى سيئًا؟.. الجميع سيهاجمكم حينها، وأهلكم سيكونون فى قمة الخجل».
وأضاف «الجوهرى»، فى المحاضرة: «لا يوجد لاعب فى العالم أفضل منكم، بالعزيمة والإصرار يمكن أن تحقق كل شىء.. افعل ما عليك.. أدِّ واجبك.. نفذ التعليمات.. ولا تفكر فى النتيجة نهائيًا»، وتابع: «حديث الجوهرى معنا كان له مفعول السحر، ونزل كل لاعب إلى أرض الملعب فى مباراة هولندا محملًا بطاقة كبيرة وثقة فى نفسه وعدم رهبة من المنافس، وهو ما أدى لظهورنا بمستوى مميز فى تلك المباراة».


أحمد الكاس: «كان معلم وأستاذ ورئيس قسم فى النفسية»
وصف أحمد الكاس، نجم الزمالك السابق، «الجوهرى» بـ«المدرب الأسطورة»، معتبرًا أن أى لاعب لم يتدرب تحت قيادة «الجنرال» لم يتدرب أو يلعب كرة قدم من الأساس.
وقال «الكاس»: «الجوهرى كان يتمتع بقوة الشخصية والصرامة، بالإضافة إلى القرب من كل اللاعبين وعشقهم له، وهى معادلة من الصعب على أى مدرب تحقيقها».
وأضاف: «كان يحضر جيدًا لكل المباريات، ويشاهد مواجهات كثيرة للمنافس ولا يكتفى بتسجيل أو اثنين، لدرجة أنه كان فى بعض الأحيان، خلال استقلالنا الأتوبيس فى الطريق إلى الملعب، يشغل الشاشات فى الأتوبيس على مباريات للمنافس، حتى نحافظ على تركيزنا ونستوعب التعليمات الأخيرة بكل دقة».
وحكى عن موقف جمعه بـ«الجنرال» قائلًا: «فى مرة واجهنى سوء توفيق كبير وفشل فى التسجيل لأكثر من مباراة، فحاولت رفع الحرج عنه وطلبت منه إراحتى لحين استعادة الحظ، لأفاجأ فى اللقاء التالى بوضعى فى التشكيلة الأساسية، لألعب المباراة وأقدم مستوى أكثر من رائع وأنجح فى التسجيل»، مشددًا على أن هذا الموقف من قبل «الجوهرى» جعله فى قمة السعادة ودفعه للقتال من أجل رفع رأسه.
واختتم: «كان معلم وأستاذ ورئيس قسم فى النفسية، أفضل مدرب يرفع الضغوط من عليك، ومهما كانت مشاكلك بيعالجها، يتحدث معك عن حياتك وأسرتك، ولما يكون فى مشكلة ينصحك، ولو الأمر احتاج تدخله يتدخل».


إبراهيم حسن: اشتكى لى: «سخرية المسئولين من أفكارى كسرتنى»
كشف إبراهيم حسن، مدير الكرة الحالى بفريق سموحة عن أن آخر مكالماته الهاتفية مع «الجوهرى» كانت قبل وفاة الأخير بساعات، مضيفًا أنه طالبه فيها بالعودة إلى مصر والترشح لرئاسة الاتحاد المصرى لكرة القدم، باعتبار ذلك حقه وأقل ما يجب أن يحصل عليه بعد مسيرته الطويلة.
لكن «الجوهرى» رد عليه بالرفض التام، وأعرب عن حزنه الشديد بسبب ما وجده من قبل المسئولين بعد توليه منصب المدير الفنى للاتحاد المصرى لكرة القدم، حين طلب إعادة مسابقة تحت ٢٣ سنة مرة أخرى، فجاءه الرد بالسخرية من طلبه، وبحسب إبراهيم حسن فإن المدرب القدير قال: «هذا الموقف كسرنى وجعلنى فى حالة حزن شديد، ودفعنى للسفر إلى الأردن لقضاء باقى حياتى هناك فى راحة».
وأضاف: «الحديث عن الجوهرى لا تكفيه برامج أو كتب، فهو أسطورة فى كرة القدم المصرية لم تأخذ حقها بالشكل الكافى من جانب المسئولين، ولم تتم الاستفادة منها بالصورة المثلى». وتابع: «كان يجب على كبار المسئولين عن الكرة الجلوس أمامه، ليسمعوا منه وينفذوا فقط، بدلًا من إسناد المناصب إلى أشخاص لا يمتلكون أى خبرات».

أسامة نبيه: أعظم شخص عملت تحت قيادته
رأى أسامة نبيه، مدرب المنتخب السابق، أن «الجوهرى» هو المدرب الأعظم الذى تدرب تحت قيادته، مشيرًا إلى أنه خدع الجميع قبل بطولة أمم إفريقيا ١٩٩٨، فى بوركينا فاسو، وأوهمهم بأن المنتخب لن يفوز بالبطولة وينقصه الكثير، وأننا سنخرج من الدور التمهيدى وسنعود إلى مصر سريعًا بسبب تواضع الإمكانيات.
وأضاف: «ما كان يقال فى الأبواب المغلقة عكس ذلك تمامًا، ففى كل محاضرة كان يؤكد لجميع عناصر المنتخب أنه لن يتنازل عن الفوز بالبطولة، وأن المنتخب المصرى هو الأقوى والمرشح الأول للتتويج».
وواصل: «كان لذلك مفعول السحر، وساعد على البداية والانطلاقة القوية لنا أمام زيمبابوى وزامبيا، لتتغير نظرة الجماهير المصرية بعد المباراتين تجاه المنتخب، ويزيد الطموح والإصرار على حصد اللقب».


فكرى صالح: تحدى هزيمتنا من المغرب فى 98: «هناخد البطولة»

اعتبر فكرى صالح، مدرب حراس مرمى المنتخب الوطنى، أن محمود الجوهرى «الهرم الرابع لمصر»، ومعلمه الذى تعلم منه كل شىء، مشيرًا إلى أنه كان بمثابة منظومة ومدرسة فى كرة القدم وليس مجرد مدرب فقط، وذلك لإجادته التعامل مع اللاعبين والجمهور والإدارات والإعلام. وقال «صالح»: «الميزة الأهم فى الجوهرى أنه لم يكن يعمل من أجل المال، لكن لحبه كرة القدم فقط، وكان قائدًا وطنيًا يعشق تراب مصر، ويفهم اللاعبين وجهازه المعاون، ويقرأ ما يريدون قوله من نظرة عين».
وتذكر أنه فى بطولة كأس الأمم الإفريقية ١٩٩٨، بعد الهزيمة من المغرب فى الجولة الثالثة لدور المجموعات والتأهل فى المركز الثانى، كان جميع اللاعبين فى حالة حزن بعد اللقاء، وتوقعوا أن يعنفهم «الجوهرى»، لكنهم فوجئوا به يضحك ويقول: «زعلانين ليه؟.. الخسارة من المغرب فى مصلحتنا، لأننا كده هنلعب ربع النهائى فى الليل، وده اللى عايزينه عشان منتأثرش بدرجة الحرارة.. وما تخافوش هنفوز بالبطولة ونهزم ساحل العاج».
وأضاف: «حديث الجوهرى هذا مع اللاعبين كان له مردود إيجابى بشكل كبير، ورفع روحهم المعنوية، ما مكنا من هزيمة ساحل العاج والتتويج باللقب بعدها».
وعن فترة عمل «الجوهرى» فى الأردن، قال فكرى صالح: «كانت له قيمة كبيرة فى الأردن، ورأيت ذلك بنفسى بعدما عملت معه هناك، وشعبيته التى لا حدود لها بين الجماهير والحكومة الأردنية جاءت بسبب الطفرة التى قدمها فى كرة القدم هناك، وطموحه الكبير لإحداث نقلة، وهو ما حدث بالفعل».


سمير عدلى: كان يحضر المعسكر قبل انطلاقه بفترة
ذكر سمير عدلى، المدير الإدارى السابق للمنتخب الوطنى، الذى عاصر «الجوهرى» لسنوات عديدة، أن كرة القدم لم تكن مهنة فى حياة المدرب القدير، بل حياة بكل المعنى الحرفى للكلمة.
وأوضح: «شاهدت مع الجوهرى ما لم أشاهده مع أى مدرب طوال مسيرتى، ففى بعض الأحيان كان يجمع بعض اللاعبين فى منزله قبل المباريات المهمة، ويلقى محاضرات بالفيديو، لنقل بعض التعليمات لهم وشرح بعض الأمور الفنية».
وواصل: «الجوهرى كان يشاهد مباريات لكل المنتخبات العربية والإفريقية، وليس منافسه القريب فقط، ويجمع معلومات بشكل عام عن جميع المنتخبات ليكون على دراية كاملة بها».
ووصف العمل مع «الجوهرى» بالممتع والسهل، موضحًا أن «الجنرال كان منظمًا للغاية ويحضر المعسكرات قبلها بفترة طويلة، لوضع كل الخطط والاستراتيجيات، وتلافى أى أمور طارئة».