رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريك الفشل.. كيف أدان رمزى نفسه بتصريحات «التبرأ من الفضيحة»؟

هاني رمزي
هاني رمزي

قبل نحو عامين أجرينا هنا فى «الدستور» حوارًا مع هانى رمزى، ضمن سلسلة حوارات «طريق الكرة المصرية إلى العالمية»، وخلال حديثه المطول حول أفكاره لتطوير اللعبة وكيفية النهوض بها، هاجم مسئولى «الجبلاية» بشراسة، وقال باختصار شديد: «هذه مجموعة تدير الكرة بسياسة صلوا ع النبى واقرأوا الفاتحة».
ظننت مما رواه أننى وكثيرين كنا ظالمين عندما اعتبرنا هانى رمزى بين الأسماء التى فشلت فى تقديم نفسها كمدربين يستحقون الثقة، وأن التجارب التى تولاها بدءًا من منتخب الشباب ومرورًا بالمنتخب الأوليمبى وغيرهما من الأندية، ربما لم يمتلك فيها الخبرة الكاملة لتحقيق أفضل نتائج، وأننا أمام خبير متمرس وخاضع لتأهيل كافٍ فى ملاعب أوروبا، يحتاج إلى فرصة أخرى أو حتى أخيرة.
تولى «رمزى» مهمة المدرب العام لمنتخب مصر الأول مع خافيير أجيرى، وطوال مشوار التصفيات يشيد بالرجل المكسيكى وأفكاره وقدرته على تطوير الشكل والأداء، خاصة فى نقل الكرة المصرية من الحالة الدفاعية، التى عشناها مع هيكتور كوبر، إلى مرحلة جديدة أكثر جرأة مع الجهاز الذى يعمل فيه.
ظل المدرب العام مشيدًا بـ«أجيرى»، صامتًا عن خطاياهما المشتركة، لم يقل- علنًا أو سرًا- ذات يوم إنه يعترض على أى أمور داخل المنتخب، أصر على استبعاد أحمد فتحى الذى كان على خلاف قديم معه ولم يحاسبه أحد، وضم عمر جابر دون أى دور يُذكر له، وفعل ما فعل فى الفترة الماضية حتى سقط الفريق الوطنى.
فجأة تبدل الحال، وتغيرت وضعية هانى رمزى من المتحدث الرسمى باسم «جبهة الدفاع عن أجيرى» عبر الفضائيات طوال عام وأكثر، إلى الثائر المتمرد الناقم على الأوضاع.

الهجوم على أجيرى واللاعبين اعتراف بأنه مجرد ديكور يتقاضى راتبًا عاليًا

خرج هانى رمزى يتبرأ من كل شىء، يرفض قائمة اللاعبين، ويعترض على واقعة عمرو وردة، ويكشف غياب أدواره، ويدّعى تهميش أدواره بشكل كامل، ويتهم خافيير أجيرى ومساعديه بالجهل والفشل.
هاجم أحمد المحمدى وانتقد محمد صلاح ولام الجميع، وقالها بشكل مختصر وبطريقة غير مباشرة: «إنى برىء منكم إنى أخاف الله رب العالمين».
لم يدرِ «رمزى»، وهو يتهرب من تحمل المسئولية، أنه يقول للجميع بشكل معلن: «أنا رجل فاشل لم أعرف حقيقة أدوارى، ولم أستطع أداء مهامى، وكنت مجرد ديكور يتقاضى راتبًا عاليًا، ويقضى أيامًا جميلة بين المعسكرات بما تحويها من فسح وشنط وخلافه».
يقول إن: «أجيرى لم يستمع لنصائحى ولا مرة، ولم يضم كثيرًا من اللاعبين الذين رغبت فى ضمهم»، ولا يعرف أنه- إذا صح كلامه- فذلك مدلول واضح على فشله فى أن يكون مدربًا قويًا ذا شخصية، وصاحب فكر مؤثر يستطيع إحداث الفارق، والتأثير فى صناعة القرار.
لم يعرف، وهو يصور نفسه كمستشار دوره مقصور على تقديم النصيحة للمدير الفنى، أنه عاجز، وأكثر فشلًا من المدرب ذاته، وأنه لا يستحق ثقة الوجود فى هذا المكان.
فى أى مكان ناجح بالعالم يلعب الرجل الثانى دورًا بارزًا فى تحديد المصائر، ويتحكم بصورة كبيرة فى الاختيارات، ويشارك فى صناعة أهم القرارات، وإن كان غير قادر على التأثير والمشاركة فهو بالأساس رجل فارغ من أى شىء ولا يصلح لهذا الموقع.
روى «مانويل جوزيه» ذات مرة واحدة من أجمل حكاياته: جاءنى حسام البدرى إلى داخل فندق الفريق مساءً وهو منزعج، وطالبنى بسرعة الضغط على الإدارة لضم لاعب فى الترسانة اسمه «محمد أبوتريكة».
ينقل «جوزيه» ما قاله حسام البدرى فى تلك الليلة: «هذا اللاعب سيكون الأفضل فى مصر، وطاهر أبوزيد نجم الأهلى السابق هاتفنى قبل قليل، وقال لى إن الزمالك سينهى التفاصيل الليلة، فيجب علينا التحرك بقوة».
استمع «جوزيه» إلى «البدرى» وهو لا يعرف مَن هو «أبوتريكة»، وتحدث إلى إدارة حسن حمدى بلغة قوية وحاسمة: «لا أريد أن نخسر هذا اللاعب».
تحرك محمود الخطيب بنفسه فى هذه الليلة، وغيّر مجرى الصفقة من «ميت عقبة» إلى «الجزيرة»، وكان حسام البدرى، المدرب العام، هو بطل الصفقة، وعرف كيف يكون مقنعًا مؤثرًا فى صناعة قرار المدير الفنى، وفى تحديد مصير ومستقبل فريق، هكذا هو دوره، وهذه هى إمكانياته التى عبرت عن نجاحاته فيما بعد.
فى إنجلترا يتلقى ميكيل أرتيتا، مساعد بيب جوارديولا، عروضًا ليكون الرجل الأول فى أرسنال وتوتنهام وعدد من الأندية، لكن مع كل عرض يتمسك به المدير الفنى أكثر، ويتحدث فى كل مكان عن دوره الكبير وأفكاره الرائعة التى يستعين بها ولا يمكنه التخلى عنها فى هذا التوقيت، يرى «جوارديولا» أن المدرب العام للفريق، بما يمتلكه من مؤهلات وأفكار وطباع شخصية، هو عمود أساسى لنجاح أى جهاز فنى.
فى مرات كثيرة يسجل اللاعب البديل فى مانشستر سيتى، ثم يذهب «جوارديولا» إلى «أرتيتا» ويشير إليه بابتسامة عريضة وحفاوة كبيرة: «شكرًا لك.. أنت صاحب هذا التبديل وهذه الفكرة».
كثيرة هى الأمثلة التى يمكن أن نواجه بها مدرب المنتخب العام، لنقول له كم كنت فاشلًا، عديم الشخصية، مجرد موظف لا يهمه سوى جنى الأموال والظهور فى الفضائيات، فلو كنت مكترسًا حقًا لغياب أدوارك فلم الصمت كل هذه الفترة؟، ولم قبلت على نفسك أن تكون بلا أدوار؟

الإخفاق عنوان مشواره مع المنتخبات والأندية.. ومجاملته وراء تجاهل عماد النحاس وأمثاله من الناجحين

كشفت أحاديث هانى رمزى عن اللاعبين حقيقة الشرخ بين المدرب العام ونجوم المنتخب كافة، وبينت فشله الكبير فى لم الشمل وجمع الشتات، وهى أدواره المفترضة، وبدلًا من أن يكون الأب الذى يجتمع عنده الكل، أظهر عداوة وخصومة ولم يترك أحدًا لم ينتقده.
كان أولى بـ«رمزى» أن يكون مسئولًا يتحمل نتيجة مشاركته فى الفشل الكبير والسقوط المذل، كان عليه أن يكون أكثر جرأة مثلما ظهر تيتو جارسيا، مساعد «أجيرى»، وهو يقول بشجاعة كبيرة تكشف الفوارق الشخصية بينه وبين «رمزى»: «أعتذر للجميع، لقد حاولنا ولم نستطع، فى مباراة جنوب إفريقيا كنا الأفضل ولكن الحظ عاندنا، وراضٍ عما قدمته هنا».
بداية تصويب المسار دائمًا تبدأ بالوقوف على الأخطاء ومعرفة أسبابها، والاعتذار عنها قبل تحديد سُبل تجنبها فى المستقبل، هكذا هم المحترفون الصادقون مع أنفسهم مثل تيتو جارسيا، بينما هانى رمزى رجل اعتاد الكذب واستخدم «فهلوة» رفاقه الذين انتقدهم فى «الجبلاية» منهاجًا وطريقًا يسير عليه لتبرير كل تجاربه الفاشلة، حصل هانى رمزى، دون غيره من المدربين المصريين، على فرص تكفى لصناعة العجائب، بدأ مع منتخب الشباب «الفضيحة» فى ٢٠٠٩ وودع أمام كوستاريكا، ثم درب المنتخب الأوليمبى الذى لم يواجه أى صعوبات فى الصعود إلى الأوليمبياد، ونال مؤخرًا فرصة مع الفريق الأول.
ربما يكون هانى رمزى المدرب الوحيد فى جيله الذى مر على جميع المنتخبات بأعمارها السنية المختلفة، وربما لم يكرر هذا الأمر على مدى تاريخ الكرة فى مصر سوى قلة قليلة. درب إنبى ولم يشعر أحد بوجوده، ذهب إلى وادى دجلة وعبر وكأنه شبح وهواء لم يترك أى بصمة، لا يتذكر له أى مشجع فكرًا أو منهجًا أو استراتيجية، تشعر بأنه يأتى مجاملة لأطراف بعينها، وإرضاءً لرفاق أو زملاء. يقف أمثال عماد النحاس على الناحية المقابلة لـ«شاطئ المرح» الذى يسكنه هانى رمزى، يعيش وسط الفقراء: عانى مع أسوان ولقى إعجاب الجميع، ولما ذهب للمقاولون، الذى يعانى الهبوط، نقله إلى المربع الذهبى فى الدورى ونافس الكبار وأسقط الأهلى والزمالك، لكنه ما زال مسكينًا ما يجب عليه أن يفكر، لمجرد التفكير، فى الانتقال إلى «شاطئ المرح» حتى لا يغرق فى الطريق.
كثيرون هم أمثال «النحاس»، ضاعت فرصهم، وغابت حظوظهم، لأن أمثال هانى رمزى لن يتوقفوا عن حصد مكاسب لا يستحقوها ولو فشلوا مليون مرة.