رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف أنصف جيجز وهنرى ورونى عمرو وردة؟

عمرو وردة
عمرو وردة

«١٥ رجلًا لا يستحقون أن يتواجدوا بين أعضاء الفريق الوطنى لتمثيل الأرجنتين».. كانت هذه كلمات عارضة الأزياء الأرجنتينية روثيو روبلين، التى تحدثت إلى الإعلام الغربى عن محاولات أكثر من نصف قائمة المنتخب الأرجنتينى المشارك فى كأس العالم الأخيرة التى أقيمت بروسيا التحرش بها.
كان الأمر أشبه بـ«حفلة تحرش جماعى»، شارك فيها نجوم كبار بحجم ألكون أجويرو، مع طلب ٨ لاعبين بين الـ١٥ لاعبًا المتهمين بشكل مباشر من تلك الفتاة إقامة «علاقة حميمية»، وفق نص ما قالته وسربته لوسائل الإعلام.
هل سمع أحدكم بتلك الواقعة؟ هل انتفض العالم من أجل مكارم الأخلاق وثارت الأمم من أجل محامد الأفعال؟!
باختصار لم يحدث ذلك، لأن التضخيم والانحراف ليس سمات الأسوياء. لم يحدث لأن المغرضين هناك قلائل، ولأن دعاة الفضيلة نادرون، ولأن الدين لا يحمل لواءه شخوص بأعينهم، ولا يوجد بينهم «وكلاء السماء» الذين يجلدون ويحاسبون البشر فى الأرض.
١٥ لاعبًا تحرشوا بعارضة أزياء شهيرة، وقدموا أداء مخذلًا بعدها فى مونديال روسيا، وودعوا بشكل مهين من أدوار مبكرة، لكن لم يصفهم أحد بـ«منتخب المتحرشين»، بينما واقعة قام بها لاعب واحد هو عمرو وردة كانت كفيلة بأن يوصف فريقنا القومى بأنه «منتخب المتحرشين».
وراح الجميع يلوم محمد صلاح على تعاطفه الإنسانى وواجبه المهنى تجاه زميل ارتكب خطأ وشعر بالذنب وعاش لحظات قاسية رأى فيها ما لا يتمناه بشر، وأصبح أحمد المحمدى مجرمًا لمجرد إشارة التضامن معه، وتحول أحمد حجازى إلى نموذج سيئ لمحاولته تقديم يد العون له، وأصبح كل صاحب رأى مخالف متحرشًا وضيعًا يدافع عن صفات هى فيه!
ديلى آلى نجم توتنهام ومنتخب إنجلترا سرب له فيديو وهو يمارس الجنس، ولم يتم استبعاده من منتخب بلاده.
«رونالدو» متهم بالتعدى على عارضة الأزياء كاثرين مايوركا، والأمر خاضع للتحقيقات القانونية لا المجتمعية. «نيمار» يواجه تهمة اغتصاب عارضة الأزياء البرازيلية ناجيلا ترينداد، ورغم ذلك كان فى قائمة البرازيل بـ«كوبا أمريكا» لولا الإصابة التى أبعدته مؤخرًا.
«جيجز» و«رونى» و«هنرى»، وغيرهم من الأساطير، تورطوا فى وقائع اغتصاب وتحرش وخيانة، لكن أحدهم لم يتوقف عن ممارسة الكرة، ولم يتم استبعاده من منتخب بلاده، وتحولت كل الاتهامات إلى القضاء، لأن هناك معايير ولوائح تحكم وتضبط السلوكيات المنحرفة، لكن محاكم التفتيش لا يعرف طريقها غير المجتمعات التى يقولون عنها «متدينة بطبعها».
الواقعة الوحيدة التى تم فيها استبعاد «ريبرى» و«بنزيما» كانت لسبب قانونى، وهو ممارسة الجنس مع قاصر، وهو ما يجرمه القانون الفرنسى لا «فيسبوك».
واقعة «وردة» تعكس تناقضًا كبيرًا فى سلوكياتنا، مسئولين وجمهورًا، وأوضحت بما يكفى أنه لا مجال لدينا لاستدعاء المنطق ومعالجة الأمور بالعقل، فلا اتحاد كرة قدم ساند قرار الاستبعاد، ولا بيّن لنا براهينه التى دفعته للتراجع والعدول عنه، ولا أحد يعرف المعايير التى تحكم وتحدد المصائر.
جمهور ثار وفضفض وقال رأيه المبنى على عاطفة لا العقل، فخاف المسئولون من وحش «السوشيال ميديا»، فاضطر هانى أبوريدة للاستجابة لضغوط إيهاب لهيطة الذى يخشى اتهامه بالتسيب فى المعسكر، مثلما الحال فى المونديال، فصدر قرار انفعالى غير مدروس باستبعاد اللاعب.
تضامن اللاعبون مع زميلهم، تحركات جماعية على الأرض، اتجاه جديد يبدو أكثر تعاطفًا مع اللاعب، ثم التراجع عن القرار بشكل عاطفى أيضًا لا يخضع لأى معايير.