رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لا تجب المبالغة في انتقاد المنتخب على انطلاقة «كان 2019»؟

منتخب مصر
منتخب مصر


للمرة الثانية على التوالي ينتصر المنتخب الوطني ويصطدم باعتراضات وانتقادات جماهيرية كبيرة، فبعد فوزه على الكونغو بهدفين نظيفين تصدر بهما مجموعته وضَمن التأهل لدور الـ16، لا زالت علامات الاستفهام ذاتها التي طاردت هيكتور كوبر من قبل تلحق بـ«خافيير أجيري» ورجاله.

هل يستحق الفريق الوطني هذه الانتقادات الكبيرة؟ وما هي المشكلات الحقيقية التي تؤدي إلى ظهورنا بهذا الشكل؟ وكيف نتلافى ظهورها فيما هو لاحق؟.. هذه وغيرها من التساؤلات يُجيب عنها «الكابتن» في التقرير التالي.

1- زمن «المنافس الحصالة» انتهى.. المواهب غائبة.. والنتائج أهم في البطولات المجمعة 
يشكو الجمهور من ترك الاستحواذ للخصم في مواجهة الكونغو الأخيرة، وقلة الفرص التي حصلنا عليها، وغياب المتعة في أداء الفريق.

إذا تحدثنا عن المتعة في البداية.. منذ متى كان هذا الجيل ممتعًا؟ هل لا سمح الله لعب هؤلاء مع «أجيري» أو من سبقه «التيكي تاكا»، سواء منذ كانوا في منتخبات الشباب أو ما تلاها من مراحل؟!

لماذا نتفاجيء من تحفظ الفريق وغلبة الشكل الدفاعي على الهجومي؟ هل كنا ننتظر من نفس العناصر التي نعرفها قبل 10 سنوات أن تتبدل فجأة وتسحرنا بأداء «سكسي فوتبول» كما يطلقون على كرة القدم الشاملة القائمة على الاستحواذ وتدوير الكرة ودخول المرمى بها؟ هل كنا نتوقع أن يتحول محمد النني إلى إنيستا، ومروان محسن إلى رونالدو، وأيمن أشرف إلى مارسيلو؟

في حقيقة الأمر الانتقادات الكبيرة التي يواجهها الفريق الوطني لا تتسق مع الواقع الذي نعيشه، ليس الآن فحسب بل منذ فترات طويلة، فما نجنيه اليوم هو الثمار الطبيعية لما زرعناه ونعرفه جميعًا، بل أن المكاسب التي تتحقق بشكل متتالي وتقربنا من التقدم للأمام هي شئ رائع في ظل المعطيات المحيطة.

نحن نبالغ في طموحاتنا، ولا ننظر إلى طبيعة الإمكانيات وحقيقة الخصوم، نتجاهل قصدًا أو دون قصد أن الخصوم التي تواجهنا لم تعد تلك التي كنا نواجهها قبل 20 عاماً.

لم تعد بنين ذلك «المنتخب الحصالة» الذي كنا نربحه بخماسيات في مختلف المواجهات، بل أصبحت ندًا عنيدًا أرهق غانا وكان قريب من الفوز عليه.

لم تعد غينيا الاستوائية فريقًا مجهولًا، بل لعب 90 دقيقة أرهقت فيها حامل اللقب، الكاميرون، ولولا سرحان 3 دقائق فقط ما خسرت.

حتى نامبيا الفريق الذي كان يخسر بأرقام خيالية وكأنه فريق «سلة»، قدم مباراة للتاريخ أمام المغرب صاحب التشكيلة الأكثر تكاملًا في البطولة، وخسر في اللحظات الأخيرة بهدف بالخطأ.

كرة القدم تبدلت، والجميع أصبح يمتلك الطموح، ونحن لا نواجه أنفسنا، أو نصطدم بهواء في الملعب، فطبيعي أن تجد خصوم يبادلونك الاستحواذ ويحاولون التقدم عليك.

في مباراة الكونغو، تقدمنا بهدفين واستحوذنا على الكرة في الشوط الأول بالكامل، فطبيعي جدًا أن يعود الخصم للبحث عن التعديل.

لماذا كل هذا التقليل من الكونغو؟ فريق يقوده مهاجمان يلعبان لأكبر ناديين في بلجيكا: «أندرلخت وستاندرليج»، ومتوسط ميدانه لاعب مميز في صفوف بطل البرتغال بورتو، وحولهم لاعبون يلعبون في كثير من الأندية والدوريات الكبيرة، فلماذا نعتقد أننا مطالبون بأن نمتلك الكرة طوال الوقت، هل لأننا أصحاب الكرة؟!

سعى «أجيري» في بداية مرحلته إلى تغيير الطريقة والشكل، والتخلي عن النزعة الدفاعية من أجل تطوير الشكل الهجومي، لكن ضغوط الجماهير والبحث عن النتائج في بطولة مجمعة يجعله يتخلى عن هذا الطموح في هذا التوقيت، عوضَا عن غياب الأدوات التي تساعده علي هذا التطوير بالأساس، فلا مواهب جديدة تظهر في الكرة المصرية، ولا أندية تغير العقم التكتيكي الذي نحن عليه منذ 2011.

يجب أن تتبدل نظرتنا في التقييم، أن نرى الآخرين كما ننظر إلى أنفسنا، أن نعرف امكانياتنا جيدًا، وبالنهاية نحن في بطولة مجمعة نستهدف نتائج وليس أداء جمالي، أما من يريد المتعة فليذهب إلى السيرك كما قال أليجري قديمًا، فنحن لسنا في حضرة جوارديولا وميسي !

2- غياب ابتكار الوسط وتراجع السعيد.. الضغوط على النني.. وضعف الحلول الفردية في الأطراف

كل ما سبق خارج المستطيل، ماذا عن الفنيات داخل الملعب؟

مشاكل المنتخب المصري تنحصر في عدة أمور، على رأسها غياب الابتكار في وسط الملعب.

لا نملك حسام غالي أو فرجاني ساسي، لا نملك «حريف» يجيد المراوغة وكسب الثنائيات من أجل تحقيق الزيادة.
وسط الملعب لدينا تربوا على الوظيفية، كبروا وهم موظفين مثاليين، يضغطون على الخصوم، يداورن الكرة، يبحثون عن أقرب لاعب للتمرير له، لغة المغامرة لا يعرفوها.

طارق حامد مثالي في الأدوار الدفاعية النمطية، لكن لم يعد هناك لاعب ارتكاز في العالم يخاف من امتلاك الكرة، ويبحث عن التخلص منها لأي فرد، ويبدو لك وكأنه يمارس هذا الشئ للمرة الأول في حياته، كما يفعل لاعبنا المقاتل، والذي يشيد الجميع بقتاليته وحربه على الكرة، لكن أحد لا ينتبه أن الضعف الهجومي يبدأ من عنده.

أولى محطات البناء السليم تكون عند لاعب الارتكاز «الحريف»، الذي يكشف الملعب ويمرر بثقة، وعندما يضغط عليه الخصم لا يفزعه ويربكه، فالخروج بالكرة من الخلف هو الأساس وهذا لا يقوم به «حامد» رغم أنها مهمته، فيضطر عبدالله السعيد للتراجع كثيرًا من أجل أداء تلك المهمة فيتناقص عدد لاعبينا في الثلث الأخير بدلًا من أن يزوده لاعبو الارتكاز بالتقدم.

من هنا يبدأ العقم، لو نظرنا إلى العالم من حولنا سنعرف لماذا نعاني ضعف البناء، ويغيب عنا الجمال في الأداء. ليفربول يبني هجومه عبر هندرسون أو فينالدوم، ورغم ذلك تجدونهما داخل منطقة جزاء الخصم يسجلان ويسددان ويراوغان، لكن اذا رأيت طارق حامد في الثلث الأخير من ملعب الخصم فيمكنك أن تحتفل بهذه المناسبة كـ«عيد قومي».

لو نظرنا إلى مانشستر سيتي سترى من يبني من الخلف جوندجان ارتكاز يراوغ أي خصم، الكرة ملتصقة بقدمه وكأنه جزء من جسمه حتى لو ضغط عليه فريق كامل، يذهب إلى الأمام وكأنه صانع ألعاب، يسدد ويراوغ ويسجل، كل لاعبي الوسط في العالم يتطورن عدانا.

محمد النني أيضَا ليس اللاعب المبتكر «الحريف»، تكوينه الجسماني وتركيبته الفنية لا تقول أنه صانع ألعاب، يراوغ الخصم مرة كل شهرين ثلاثة، هو لاعب قد يُجيد  تسلم الكرة من قلبي الدفاع وبناء الهجوم من الخلف، هذا دوره، أما التقدم وتسلم الكرة في الثلث الأخير وظهره إلى الخصم فهذا يحتاج نوعية خاصة من المهرة، ومواصفات ليست فيه.

اللاعب يتعرض لضغط نفسي غير طبيعي، بدا عصبيًا للغاية في تدخلاته وفي تمريراته، يشعر بأنهم يطلبون منه ما يقدمه إنيستا وهو قريب من حسام عاشور، يبالغون في كل شئ، ولن يغفروا له إلا بالتسجيل حتى لو لم يكن مؤهلًا لذلك أو كانت الفرص المواتية نادرة.

أما عبد الله السعيد فتتلخص أزمته في عودته كثيرًا للوراء. في بيراميدز كان نبيل عماد «دونجا» بارعاً في عملية الصعود بالكرة من الخلف، فيعفيه من العودة للوراء، وكان يجاوره صانع ألعاب آخر ايريك تراروي، يتقدم معه ويضايق الخصم فيتيح له المساحة، وهو الأمر غير المتوافر في صفوف المنتخب.

على الأطراف سعى «أجيري» لمنح حرية التقدم للظهيرين، لكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.. «المحمدي» أقصى
ما لديه كرات عرضية لا تجد كثافة هجومية في المنطقة، وأيمن أشرف مدافع بالأساس لا يعرف كيف يتخلص من المدافع الذي يواجهه، لا نمتلك المبتكرين أيضَا على أطراف الملعب.

كل هذه مشكلات تجعلنا مطالبين بأن نكون أكثر اتساقًا مع أنفسنا، نحن نمتلك مجموعة من اللاعبين متوسطي الأداء، يمكن توظيفهم تكتيكيًا، واللعب على الثغرات التي يعانيها الخصوم.

وربما لن تتكرر هذه المعاناة كثيرًا في الأدوار التالية.. لماذا؟
أمام خصوم أقوي ستجد الضغط النفسي أقل، عوضًا عن تقدم الخصوم وترك المساحات، وسيكون أسلوب كثرة اللاعبين ذوي النزعة الدفاعية في التشكيل مناسب في هذه المواجهات، وقتها سيرضى الجمهور بالقليل، وسيكون مجرد العبور ولو بضربات الجزاء وليس بهدفين نظيفين فرحاً كبيراً.