رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إني أعلم ما تجهلون».. كيف صنع جروس إنجاز الزمالك؟

الكابتن

منذ مباراته الأولى مع بتروجت في بطولة الدوري العام مثَل السويسري كريستيان جروس علامة استفهام كبيرة لدى جمهور ومسئولي الزمالك.

 

عندما خاض تلك المباراة بطريقة لعب جديدة 4/1/4/1 ووقع في فخ التعادل، ثارت الجماهير الزمالكاوية ضده، وانتقدت الشكل الخططي الذي اعتبرته الغالبية من المتابعين والمحللين غير مناسب للأبيض.

 

ومع تثبيت ثنائية طارق حامد وفرجاني ساسي، تمكن المدرب العنيد من الوصول إلى الصيغة التي أرادها وهي: «منتصف ملعب بصبغة هجومية، ونتائج جيدة تُسكت الجمهور حتى يتمكن من تطبيق فلسفته الجيدة».

 

ولم تكن العلاقة بين جروس وأطراف منظومة الزمالك خلال موسم كامل على أحسن حال، فعندما أرادوا مشاركة كهربا في مرات أجلسه بديلًا، وعندما طلبوا إدخال أيمن حفني وإراحة أوباما كان عنيدًا، ولما فضلوا عنتر ومدبولي لم يرغب سوى في إدخال إبراهيم حسن الذي لم يحظي بالدعم مثله لا من إدارة النادي ولا من جمهوره، وطوال الوقت رفع شعاره الذي أصر عليه من البداية: « إني أعلم ما تجهلون».

 

مر جروس مع الزمالك بمشاكل عديدة، وأثبت للجميع قوة شخصيته وقدرته على التعامل مع الظروف الصعبة والغيابات المؤثرة في أصعب فترات الموسم.

 

كانت البداية مع فريق لا يمتلك ظهير أيسر، فحول عبدالله جمعة من مركز الجناح الأيمن إلى مدافع بالجهة اليسرى ليتحول لمعجزة، وخاض موسمًا كاملًا بلا مهاجم قوي يمتلك المؤهلات الكاملة التي تجعله مهاجمًا لفريق ينافس على كل البطولات.

 

وفي أصعب المحطات افتقد القلب النابض للفريق فرجاني ساسي الذي يعد أفضل صانع ألعاب في القارة الإفريقية، وشارك في المباراة النهائية بدون رأس حربة صريح بعدما أُنذر عمر السعيد للمرة الثانية وغاب عن اللقب.

 

وعندما فشلت إدارة الزمالك في التعاقد مع بديل لأوباما بعد سلسلة مفاوضات طويلة مع عبدالله السعيد ومجدي قفشة، تحمل وحده تبعات تراجع مستوى صانع ألعاب الزمالك، ولم يستجب لتدخلات الإدارة في الأمور الفنية عندما طالبته بإشراك أيمن حفني.

 

وفي قلب الدفاع برهن «جروس» على أن الأسلوب والفلسفة التكتيكية التى اتبعها هي سر تفوق الفريق وليس الأفراد، فلما غاب محمود علاء لم يعان الزمالك، ولما شارك اللاعبان الشابان محمد عبدالغني أو محمد عبدالسلام بدلًا من «الونش» لم تشعر بفارق، وطوال الوقت تشعر بأن جميع مدافعي الزمالك واحد، وهذا لا يعني بالطبع أن ملكاته الفردية واحدة بل كانت طريقة «جروس» هي البطل دائمًا.

 

وفي المباراة النهائية أمام نهضة بركان، ربما لم يتقبل زملكاوي واحد فكرة الاعتماد على محمد إبراهيم إلى جوار طارق حامد من البداية، وعندما رأو التشكيل ووجدت الجماهير محمد عبدالغني في الجهة اليمني وضعوا أياديهم على قلوبهم، فكيف تلعب في مباراة نهائية بهذه المفاجآت؟ لكنه عاد ليقول مجددًا للزملكاوية :« ألم أقل لكم إني أعلم ما لا تعلمون».

 

ربما يتوهم البعض أن مفاجآت «جروس» الدائمة ليست إلا عنادًا مع مسئولي الزمالك وقد يرى آخرون أنه عشوائي، لكن حقيقة الأمر أنه رجل عملى ومحترف بدرجة قد لا يستوعبها من تحركهم العواطف.

 

يعمل «جروس» منذ البداية بشكل علمي، ويستند دائمًا إلى قرارات مدروسة بالتفاصيل والأرقام، من خلال محلل أداء لم تعرف الكرة المصرية أحدا بقدراته طوال تاريخها وهو كونلي أودي توينبو لاعب توتنهام الإنجليزي السابق.

 

كما استند إلى مساعده المحنك لبيير أندريه شورمان، الذي يمتلك سيرة ذاتية تجعله أهل ليكون مديرًا فنيًا لمنتخب مصر ولأندية أوروبية كبيرة، فهو المدرب الذي سبق له التتويج ببطولة أوروبا للناشئين مع سويسرا ودرب نيوشاتيل وسيون.

 

تركيبة جهاز فني فريدة، تضج إجابة لسؤال لماذا ينجح جروس في كل مرة يدخل فيها صدام مع الجميع؟ وتؤكد بأن هذا الجهاز المحترف لا يعمل عبثيًا أو يُجامل شخصًا على حساب آخر، فإذا كان «جوزيه» هو أفضل مدرب في تاريخ مصر بالفعل، فإن تركيبة جهاز «جروس» التي تضم مدرب حراس أجنبي أيضَا إلى جوار تلك الأسماء الكبيرة هي أفضل تركيبة مرت على الدوري المصري، واستحقت أن تصنع تاريخًا للزمالك وأن تسجل أسماءها في صفحة لا يقترن بها أي جهاز فني آخر للأبيض.

 

ربما لا تسمح الإمكانيات المادية باستمرار «جروس»، وربما ساءت العلاقة بينه والإدارة لدرجة لا تحتمل الاستمرار، لكن الأمر المؤكد أن تعويض رحيله إذا تم أمر صعب للغاية وربما يبكي الجميع على رحيله.