رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفلوا في صمت.. جوارديولا لا يزال البابا

بيب جوارديولا
بيب جوارديولا

يؤمن كثيرون بأن الحال سيتبدل إلى الأفضل أينما تواجد بيب جوارديولا الذي أصبح "ظاهرة" هذا العصر في عالم كرة القدم.

ففي إسبانيا، قاد برشلونة فانقلب علي مدريد وصنع معها العجب حتى تُوج منتخب إسبانيا بكأس العالم.

وفي ألمانيا، ذهب إلى ميونخ فصنع فيها أرقاما لم يعرفها العملاق البافاري في تاريخه، كما كانت ألمانية بطلة العالم في عهده بعد تغيير فلسفة منتخبها الذي تأثر بأسلوبه.

وفي إنجلترا، أعاد منتخب الأسود الثلاثة إلى المربع الذهبي للمونديال بعد غياب طويل، وأصبح لديه منتخب يلعب كرة القدم علي طريقة "جوارديولا"، كما أصبح للأندية الإنجليزية السيادة في أوروبا حتى أنهم حجزوا الأربعة مقاعد في النهائيين، دوري أبطال أوروبا بين ليفربول وتوتنهام، و"اليوربا ليج" بين الآرسنال وتشيلسي.

لكن: كيف يعود الفضل لـ "جوارديولا" في صعود 4 أندية للنهائيات وفريقه مانشيستر سيتي ليس بينهم بالأساس؟، وإذا كان هذا التساؤل هو الأكثر تداولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، والرد عليه جاء على لسان رفاق بيب جوارديولا قديمًا بقولهم: "أزمة جوارديولا أنه يبحث عن الكمال، رغم إيمانه بأنه لا كمال في هذه الحياة".

"جوارديولا" تسيد كرة القدم الإنجليزية وفاز بـ "البريميرليج" مرتين متتاليتن وفاز بكأس الرابطة مرتين متتاليتين أيضا وهو على موعد للتتويج بكأس الاتحاد الإنجليزي بعد أسبوع، لكنه خسر في دوري الأبطال بسبب هدف واحد لتوتنهام اعترف مسجله "لورينتي" بأنه جاء نتيجة "لمسة يد".

في المواجهات المباشرة هذا الموسم تفوق "جوارديولا" على جميع كبار إنجلترا (ليفربول - مانشستر يونايتد – تشيلسي – آرسنال)، حتى توتنهام الذي أطاح به من الأبطال فاز عليه في الموسم 3 مرات وفي المرة الوحيدة الذي خسر فيها ودع البطولة.

هذا المدرب استطاع أن يضمن لفريقه أن يكون الأكثر تحقيقًا للنقاط على المدى البعيد، لكنه مثل كل البشر لا يمكنه ضمان الفوز في كل المواجهات، خاصة أن التوفيق قد لا يحالفه ولو في لقاء واحد يمكن أن يكون كافيا لتوديع بطولة وخسارة لقب قاري.

ملخص حكاية "بيب" وفقا لصديقه أسطورة الشطرنج جاري كاسباروف هي: " لا تبحث عن المثالية في لعبة التوفيق فيها عامل مهم، فكرة القدم ليست شطرنج.. ففي لعبتي أنا أضع كل السيناريوهات في رأسي، أعيد التفكير فيها مرات ومرات، ثم اختار وأنا أعرف النتيجة مسبقًا، فلا وجود لأي عامل محدد غيري، بينما في كرة القدم قد ترسم أفضل السيناريوهات ولا يكون الحظ معك".

ووفقا لذلك، تفوق "جوارديولا" على كل الإنجليز حتى في بطولة دوري الأبطال التي ودعها، كما كان الوحيد الذي جمع 15 نقطة في مرحلة المجموعات بينما صعد ليفربول الذي سيلعب النهائي بـ 9 نقاط فقط ولولا تعاطف برشلونة ولعبه بالاحتياطي ما صعد توتنهام الطرف الثاني في نهائي البطولة من دور المجموعات.

وإذا كانت البطولات الإقصائية التي تعتمد علي المواجهات المباشرة لا تسمح بوجود فرصة للتعويض فإن التوفيق فيها والظروف المحيطة بالمباريات خاصة في الأدوار الأخيرة تعد عوامل مهمة ربما تطيح بالأفضل وتجعل من هو أدنى متوجًا، وسبق أن حدث ذلك مع ريال مدريد الذي توج وهو ليس بأفضل حالاته، فيما كان بورتو بطلًا للأبطال بين عمالقة مطلع هذه الألفية وهو ليس الأفضل بينهم.

لكن: ماذا لو كان دوري الأبطال يُحتسب بالنقاط وليس بالأدوار الإقصائية؟.. أين سيكون ترتيب فريق "جوارديولا"، وهل يمكن وقتها أن يكون توتنهام في نهائي البطولة؟، والحديث هنا ليس عن تبديل لوائح البطولة، بل عن فكرة أن البطل قد لا يكون بالضرورة الأفضل بل أحيانا يكون من خدمته الظروف أكثر من غيره أو أجاد استغلالها.

هذه الظروف لا تتحكم بنفس الكيفية في سباق حصد النقاط، ففي هذا السباق بدل المدير الفني "الخارق" معايير اللعب في إنجلترا، وجعل الاقتراب من حصد 100 نقطة هو شرط التتويج بالبطولة، كما أن الزحف نحو النقطة الـ 80 هو شرط اللعب في دوري الأبطال، وفي عهده صار ممكنا أن يصبح ليفربول أول فريق في العالم يحصد 97 نقطة في "البريميرليج" لكنه لا يفوز بالبطولة.

وفي عهده أيضا، أصبح الصراع علي الثالث والرابع بين الرباعي (أرسنال - تشيلسي - مانشيتر يوناتيد-  توتنهام) يُشبه الصراع علي اللقب ذاته، قبل وصول بيب.

الأمر نفسه تحقق أثناء قيادته لبرشلونة في إسبانيا، ففيها كان ريال مدريد قد سبق وحقق 96 نقطة لكنه لم يفز بالدوري لأن "جوارديولا" حقق مع فريقه 99 نقطة واضطر بعدها مطارده إلى البحث عن التطور الدائم من أجل اللحاق بنسخة "البارسا" الاستثنائية فحقق المنافس 100 نقطة في الموسم التالي.

كما أصبح أتليتكو مدريد وإشبيلية صاحبي المركزين الثالث والرابع في "الليجا "هما أيضا الأكثر تحقيقًا لـ "اليوربا ليج" بين كل أندية أوروبا في مرحلة توليه.. ألا يعد ذلك تشابها غريبا مع نظرائهم في إنجلترا حاليا؟.

عقب التتويج قال بيب جوراديولا: "كان هذا الدوري الأصعب في مشواري بين 10 دوريات خضتهم، فالمنافسة كانت صعبة لذا أحيي ليفربول ولذا سنكون أفضل في الموسم المقبل".

هذا التصريح يعكس فلسفة جوارديولا في البحث عن الكمال ورؤيته أن تحقيق فريقه لـ 100 نقطة لم يعد ضامنا لتحقيق اللقب وأن التثر في 4 مباريات فقط يعد قصورا يجب أن يعمل على تجنبه في الموسم المقبل، ما يعني أن على منافسه ليفربول أن يقتنع بهذه الفلسفة إلى أراد تحقيق اللقب.

وأجمالا يمكن القول أن المكان الذي سيتواجد فيها بيب جوراديولا هو مكان يتطور فيه الجميع، سواء معه أو ضده، فوجود هذا المدرب "الخارق" لا يعني سوى التطور يوما بعد يوم.