ذكرى ليلة العاشرة.. سرجيو راموس وألفريد هتشكوك وأشياء أخرى
"اذكريني كلما فاز ريال مدريد"؛ هكذا أراد أحد عشاق نادي ريال أن تذكره محبوبته كلما انتصر النادي الملكي وخلدها على إحدى جدران مدينته لأنه رغب أن يشعر بفرحتين معًا أن تذكره محبوبته ويفوز ريال مدريد.
آدم خذلته حواء يوم أخرجته من الجنة؛ وقيصر خذله بروتس؛ وربما خُذل ألفريد هتشكوك بعد أن اختفت فلسفته السينمائية والقائمة على الإثارة والتشويق لأبعد مدى؛ وإفراز الأدرينالين في جسد المشاهدين؛ أما تلك الليلة.. الجميع أراد ذات الأذنين؛ الأتلتي أرادوها لأرواح مؤسسيهم الباسكيين؛ أما ريال فأراد أن يعيد أمجاده؛ لكن لايوجد صراع به فائزين؛ لابد من منتصر واحد فقط.
يقال إن العاصمة الإسبانية لم تعرف صامتة مثل هذا اليوم؛ حتى إنك لو ألقيت إبرة في شمالي البلاد قرب جبال سييرا دي جواداراما ستسمع رنتها قرب طليطلة في جنوب مدريد؛ الحديث هنا عن ليلة فوز ريال مدريد ببطولة دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة في تاريخه على جاره أتلتيكو مدريد في 2014؛ ويخوض الكابتن رحلة قصيرة في تلك الليلة وتفاصيلها.
كاسياس.. لأن القدر يصبح رحيمًا أحيانًا
قبل أن الحديث عن الرأسية القاتلة وماتبعها من أهداف منحت مدريد عناق ذات الأذنين؛ فإن للحكاية بدايات وأطراف لا بد أن تروى قبل أي شيء.
منذ اللحظة الأولى التي خطت فيها أقدام لاعبي الفريقين إلى أرض لشبونة؛ والجميع يتخيل صورته رفقة ذات الأذنين؛ كيف سيقبلها؟ ماذا سيكتب عبر حساباته على التواصل الاجتماعي؟؛ كاسياس الذي كان بطلًا لآخر انتصار مدريدي بالأبطال في ليلة ليفركوزن 2002؛ والبرتغالي العائد إلى بلاده يحلم بالتتويج الأول له مع الملكي، ليواصل منافسته مع برغوث أرجنتيني أرق نومه؛ إذًن لا أحد ينام قبل نهائي الأبطال؛ النزال لن ينتهي إلا بسقوط أحدهم.
ربما لم يكن القدر رحيمًا بكاسياس في تلك الليلة؛ أو كما ظن عندما سكنت الكرة شباكه معلنة عن الهدف الأول للروخي بلانكوس بعد خطأ لايحدث من حارس ناشيء ليتقدم أتلتيكو بهدف في الدقيقة 36.
هل هذه النهاية؟ هكذا حدث كاسياس نفسه بعد أن رأى الكرة تسكن الشباك؛ وظن أنه قد أضاع أحلام المدريديين كلهم؛ ولكنه استطاع بعد ذلك أن يدافع عن عرينه ضد محاولات الروخي بلانكوس المستمرة لتسجيل هدف ثانٍ وقتل المباراة.
سرجيو راموس.. ألفريد هتشكوك سعيد في قبره
87 عامًا؛ هو الفارق بين مولد ألفريد هتشكوك؛ عملاق سينما الغموض والجريمة وسرجيو راموس؛ قائد ريال مدريد وأحد أفضل هدافيه عبر العصور؛ فالأول ولد في عام 1899 والثاني في 1986.
لكن ماعلاقة هدف راموس بهتشكوك؟ وهل هناك ارتباط بين سينما هتشكوك وكرة راموس؟
عزيزي القارئ هي أسئلة دارت في بالك منذ الوهلة الأولى؛ الحقيقة أن سرجيو راموس لا يرتبط ارتباطًا مباشرًا بألفريد هتشكوك؛ ولكن دعنا نسرد سويًا بعضًا من تفاصيل تلك الليلة وماحدث فيها.
هدف مبكر وفرص ضائعة؛ ودفاع مستميت من أتلتيكو مدريد؛ الملكي في أفضل أحواله يبتعد خطوة خلف الأخرى عن حلم ذات الأذنين العاشرة؛ ثم هدف لراموس قبيل 30 ثانية من النهاية؛ على الجانب الآخر هيتشكوك اعتمد طوال مسيرته على التشويق والإثارة إلى أبعد حد فيجعل بطل القصة يعاني الأمرين ويفرز مزيدًا من الأدرينالين في جسد المشاهدين بزيادة المعاناة تارة فتارة حتى يصل الأدرينالين إلى أقصى مستوياته فتنفك العقدة وتحل أزمة البطل.
"عندما كنت صغيرًا؛ كنت أحلم بأن أكون مصارع ثيران، ولكن والدتي كانت تخاف من تلك الرياضة؛ فتدخل أخي ريني وحول مساري لكرة القدم"؛ سرجيو راموس متحدثًا عن طفولته.
على الرغم من أن مراهقتهما لم تكن متشابهة؛ فراموس ساعدته عائلته على تجنب المخاطر؛ وهتشكوك أرسله والده لقسم الشرطة وهو في سن الخامسة عشر وطلب سجنه لمدة خمس دقائق لأنه ارتكب خطأ؛ ولكن كلاهما استطاعا أن يكونا من أهم عناصر إفراز الأدرينالين والتشويق في أجساد المشاهدين.
الليلة الأهم في مسيرة راموس؛ هي ليلة لشبونة؛ ربما رفعت تلك العاشقة يدها للسماء بأمنية محبوبها الذي أراد أن تذكره كلما فاز المدريديون؛ وتوافقت أمنيته مع إرادة الله والفلسفة الهتشكوكية؛ ليتدخل راموس كالبطل الخارق لينقذ رفاقه في الدقيقة الأخيرة؛ ويفرز كل الأدرينالين الموجود في أجساد مشجعيه؛ ناظرًا لدموع لاعبي سيميوني والتي انذرفت بعد أن غرز نابه في رقابهم كأسد منقض على فريسته بلارحمة أو شفقة؛ تمامًا كما عرفت أفلام هتشكوك بالقسوة والوحشية.
خلال 671 مباراة؛ راموس شارك في 141 هدفًا؛ مسجلًا 101 وصانعًا 40 آخرين لزملائه؛ هتشكوك ساهم في إرساء فلسفة سينمائية للتشويق الإثارة ربما لم تعد تلك الفلسفة موجودة ولكنها كانت جزءًا مهما من تاريخ السينما.
الانتصار
استمرت الفلسفة الهتشكوكية في التحقق بعد أن انتقلت المباراة لأشواطها الإضافية؛ لا أحد يقدر على الجلوس.. ضربات القلوب مسموعة كأنها دقات طبول الحرب؛ الجميع منهك.. الكل يرغب في مرور الوقت؛ ستكون السقطة قاسية في مثل تلك الأوقات.
في الدقيقة 110؛ أفرز آنخيل دي ماريا ماتبقى من الأدرينالين في جسده وتحلى بشجاعة جعلته ينطلق بين لاعبي أتلتيكو ويراوغهم ليخترق منطقة الجزاء من جانبها الأيسر ويسدد كرة أبعدها تيبو كورتوا؛ حارس أتلتيكو لتصل لجاريث بيل أمام المرمى الخالي ليعلن التقدم لكبير العاصمة؛ ثم استمرت إفرازات الأدرينالين الهتشكوكية لتزيد من معاناة أبناء ديجو سيميوني فيسجل مارسيلو هدفًا ثالثًا بمهارة فردية وانطلاقة شجاعة داخل دفاعات الأتلتي؛ ثم يحتفل رونالدو بلقب هداف الأبطال وعناق ذات الأذنين بركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة.
الوداع قريب؟
الآن وبعد 7 سنوات من تلك الليلة؛ راموس يقترب من الرحيل عن النادي الملكي؛ الصحافة تشير إلى مفاوضات مع الباريسيين؛ وأطراف أخرى تتحدث عن انتقال محتمل لمانشستر يونايتد؛ ويبدو أن الأمور باتت شبه واضحة.. راموس سيرحل؛ لكن ريال مدريد سيظل ممتنًا لابن إشبيلية؛ سيظل يمجد الأندلس لأجل سرجيو راموس جارسيا.. قائد مدريد التاريخي.