رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية أسطورة الخطيب.. هل أخطأ أحمد فتحي في حق الأهلي ؟

الكابتن

إذا كنت من مؤيدى مجلس إدارة نادى الأهلى، فسترى أن ما فعله بيبو ورفاقه مع حسام عاشور هو الاحترافية بعينها، أما ما أقبل عليه أحمد فتحى فهو الخيانة الكبرى. 

وإذا كنت تقف على الجانب الآخر، بين صفوف معارضى بيبو وخصوم الأهلى عمومًا، فسترى العكس، مجلس الأهلى خان عاشور، وفتحى لم يمارس غير الفعل الاحترافى.

هكذا جاءت أزمات ملف التجديد لكبار الأهلى كاشفة عن تضارب المواقف فى مجتمع كرة القدم المصرية، من مجالس إدارات مرورًا بلاعبين كبار ووكلائهم ودوائرهم الإعلامية، وصولًا إلى القواعد الجماهيرية لكبرى الأندية.

لم يفعل أحمد فتحى، حينما أخبر مجلس إدارة الأهلى برغبته فى عدم تجديد التعاقد مع الأحمر وقدّم الشكر لناديه، غير ما فعله بيبو ورفاقه مع حسام عاشور حينما أبلغوه بالأمر ذاته: «نشكرك.. لا نريد تجديد تعاقدنا معك».

ورغم تشابه الموقفين، مع اختلاف الأطراف، فإن ردود الأفعال كانت مثيرة للسخرية والضحك، وكانت الازدواجية هى العنوان الرئيسى لكل الأحكام الصادرة، وغلبت العاطفة كل شىء فى وقت تتسع فيه عملية تهميش المنطق والعقل بالمجتمع الرياضى.
يكيل الأهلاوى بمكيالين، فيرى تخلى إدارته عن واحد من أهم نجوم وأساطير الفريق، مثل حسام عاشور، أمرًا احترافيًا طالما لم يعد الفريق بحاجة إليه، بينما يسب ويلعن أحمد فتحى الذى يبحث، بمنطق الاحتراف ذاته، عن تحقيق أعلى مكسب له.

ولا يختلف عنه الزمالكاوى الذى استغل حكاية عاشور فى التقليل من مجلس الأهلى والسخرية من فكرة غياب المبادئ مع نجوم وأبناء النادى الذين تبيعهم إدارتهم حينما تنتهى أدوارهم، بينما يزعم بأن فتحى من حقه أن يختار خطوته فى مجتمع يحكمه الاحتراف. 

أصبح المتابع الذى يريد البقاء على الحياد، أو حتى «المنتمى» الباحث عن إدراك الحقيقة الكاملة، فى حالة شتات غير طبيعية، فلا معايير تحكم، ولا قواعد واضحة، وكل يبحث عن مصالحه حتى لو اضطره الأمر لقول وفعل ما لا يؤمن به.

لكن حقيقة الأمر تقول إننا جميعًا أبعد كل البُعد عن الاحترافية واحترام الآخر، وإنه لا مكان للحديث عن قيم وثوابت فى مجتمع يحكمه التعصب.

فالاحترافية التى دافع عنها الأهلاوية لا تقتضى أن تبلغ أكثر لاعبيك حصولًا على البطولات عبر تاريخك، وواحدًا بين أهم لاعبى العالم بالأرقام، بأن دوره انتهى باللحظة ذاتها، دون تمهيد لذلك أو إشراكه فى الأمر قبلها بفترة مثلما يفعل العالم الاحترافى، فالأهلى لا يأتى بمثل عاشور كل يوم أو كل عام.

والاحترافية ذاتها لا تُبيح أبدًا للاعب مثل أحمد فتحى أن يبيع ١٢ عامًا من التألق والتاريخ والعلاقة الوطيدة بهذا الجمهور الكبير من أجل بضعة ملايين، فكان بمقدوره أن يكون محترفًا حقًا وشفافًا إذا أظهر للأهلى نيته المبكرة فى الرحيل، وطرح عليه حقيقة العروض التى بحوزته بدلًا من التلاعب بالإدارة فى مرحلة مفاوضات انتهت باستجابتها لمطالبه ورغم ذلك لم يوافق.

وربما هنا قد يتحجج البعض بأن نجومًا كبارًا تركوا أندية عملاقة وذهبوا للمال فى سنواتهم الأخيرة، لكن يجب أن نعى أن أنديتهم لم تكن بحاجة إليهم مثلما كان الأهلى فى حاجة فنية لفتحى وهو عمود وركن أساسى بالفريق، ولم تستجب لطلباتهم مثلما استجابت إدارة الأهلى لأحمد فتحى.

إذا كان أحدنا جادًا فى البحث عن موقف حيادى ورؤية بلا ضباب، فليضع نفسه مكان الآخر.

فى حقيقة الأمر فعل الخطيب كل شىء فى ملف أحمد فتحى، لكنه يجنى ثمار أخطاء أخرى، ولا تعد خسارته هذه المرة مجرد خسارة لاعب فحسب، بل جاءت لتضيف فشلًا جديدًا ربما يمهد لما هو أسوأ، ويحيط مستقبل بيبو «الرئيس» بالشكوك الكبيرة.

تربينا منذ صغرنا على روايات عدلى القيعى التى تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، كنا نظن أن الخطيب لا يُشبه البشر، يتسم ببعض صفات السماء لدرجة أنه بمجرد أن يسمع أكبر وألمع نجوم مصر صوت الخطيب يبدلون مواقفهم ويزحفون نحو التوقيع للأحمر، متخلين عن كثير من الملايين فى الزمالك، فقط لأن بيبو طلبهم.

ولسخرية القدر كبرنا ونضجنا وحينما أصبح محمود الخطيب رئيسًا لمجلس الأهلى، بتنا شاهدين على أكثر مجلس، أو بين الأكثر على مدار تاريخ الأهلى، فشلًا فى الحفاظ على نجومه، وبين الأعلى خسارة لاعبين مهمين.

هل افتقد الخطيب لمعانه وسحره؟، لماذا لم تؤثر رمزيته فى مواقف عبدالله السعيد الذى فضّل الزمالك على الأهلى فى أعظم وأهم فترات الأهلى؟

لماذا لما تخطف أضواء بيبو قلب أحمد فتحى فى مرتين، فالأولى كان ذاهبًا لولا أعاده آل الشيخ، والثانية لم يجد من يعيده؟

هل كان القيعى يضحك علينا وأن الأمر ليس أكثر من مجرد قوة المال التى امتلكها الأهلى وأصبحت ملك غيره الآن؟

أين المبادئ التى كانوا يقولون لنا عنها؟

فى عالم كرة القدم يُدرك اللاعب منذ اقتحامه عالم الملايين أن الانتماء لذاته أولًا قبل ناديه.
ينسى أنه مشجع درجة ثالثة حينما يتحسس لأول مرة ملمس الملايين، ويتذوق طعم الرخاء والنعيم، ويذوب فى سراب الكبار.
هنا لا نقول إنه لا مكان للانتماء، لكن حتى من سيختلف مع موقف فتحى ويختار البقاء فى الأهلى مضحيًا ببضعة ملايين، فإن منطقه أصولى بحت، فهو يرى أن مستقبله داخل النادى بعد الاعتزال سيعوضه عن هذه الفترة، وأنه سيؤجل الأمر فقط، بل سيضاعف الأرقام.

لا أحد يحب الأهلى أو الزمالك أكثر من نفسه، نعم أعشق هذا الكيان، لكن فى مرتبة تالية لنفسى، هكذا هم جميع اللاعبين بلا استثناء، حتى صانعو الشعارات يبحثون عن قيمة معنوية كبيرة ستأتيهم من مكانتهم بين الجماهير، ويعرفون كيف يتاجرون بها بعد ذلك لتحقيق تلك الأرقام المستهدفة. الجميع غارق فى مستنقع المصالح، ولكنه يصدر لك الفضيلة، ويستدعى الشعارات الواهمة التى لا يتبعها هو.

إذا كنا راغبين حقًا فى بناء مجتمع احترافى جاد، له قواعد ثابتة وتحكمه معايير واضحة لا تقبل الجدال والهراء الكثير الذى هو عنوان سائد وراسخ فى عالمنا الرياضى، فلا بد أولًا أن نتوقف عن ترديد الشعارات، وتضليل الناس بالحديث عن قيم واهمة لا أصل لها.