رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة مو.. كيف يسير صلاح نحو «الأفضل إفريقيًا» والمنافسة على «الكرة الذهبية»؟

صلاح
صلاح

عندما تتعرض إلى كارثة أو أزمة فى حياتك تتسبب لك فى ضغط وعبء كبيرين، فإنك أمام طريقين لا ثالث لهما، اليأس والإحباط وفقدان شغفك ورغبتك فى النجاح، أو تحويل تلك الضغوط والأزمات إلى حوافز ودوافع تمهد للتعافى ولنقلة جديدة، وربما صعود إلى ما هو أبعد مما تتمنى، وما تسببت خسارته فى ألمك.

مؤخرًا، تعرض نجمنا المصرى محمد صلاح لأزمة كبيرة، وهى خسارة جائزة «الأفضل فى إفريقيا» لصالح منافسه ساديو مانى، رغم أنه كان قريبًا منه فى كل شىء، حتى فى رصيد أهدافهما ببطولة الدورى الإنجليزى.

وكما بدا للجميع لم يكن «صلاح» مثاليًا كما اعتدناه، تغيب عن الحفل، وسخر من فوز اتحاد الكرة بجائزة «أفضل اتحاد فى القارة»، وهى المظاهر التى لم تكن ستظهر لو فاز بالجائزة، لكن التبعات النفسية لهزيمته وأثرها بداخله جعلاه رافضًا للأمر برمته، وباحثًا عن طريقة للتعبير عن ذلك الرفض، وربما غزا هذا الإحساس شعوره بأن نتائج المنتخبات هى التى منحت منافسه الجائزة.

هنا كان «صلاح»- مثل أى شخص يخسر شيئًا مهمًا ويفقد هدفًا غاليًا بالنسبة له- أمام طريقين: يستمر فى الإحباط، أو يسلك طريق الكبار.

كانت تجربة ساديو مانى فى الموسمين اللذين سبقا تتويجه، وخسر فيهما الجائزة لـ«صلاح»، عبرة وعظة لنجمنا المصرى، فى الأول كان السنغالى غاضبًا، افتعل الأزمات فى «الريدز»، بدأ يظهر أنانيًا، تعارك على تسديد ركلات الترجيح، فماذا جنى نتيجة ذلك؟.. خسر الجائزة مرة أخرى لـ«صلاح».

فى السنة التالية، كان «مانى» متصالحًا مع الواقع، تقبل الأمر، رقص بجوار «صلاح»، لكنه كان جاهزًا نفسيًا، وأبلغه بأنه سيعود للفوز بالجائزة، ولأنه أهل نفسه جيدًا وتخلص من طريق الإحباط وجد الانتصار.

ولأن «صلاح» محظوظ بتلك التجربة القريبة التى عايشها، ولأنه مشروع مؤسسى يُدار بشكل علمى، وفق فريق عمل كبير داخل وخارج الملعب، سواء مع ليفربول أو عبر الاستعانة بمتخصصين ومديرين يستشيرهم، تعافى بشكل سريع للغاية، واختار الطريق الأفضل، متخلصًا من الضغوط ومستعدًا للتحديات.

بعد شهر واحد من تتويج «مانى» بالجائزة، ظهر «صلاح» فى مباريات «الريدز» بحالة مزاجية أفضل، تقول إنه لم يعد ناكرًا لواقع خسارته أمام «مانى»، بل مستعدًا لما هو قادم بجاهزية أفضل وأقوى.

عاد «صلاح» يقود انتصارات «الليفر» كأفضل لاعبيه، لا يكتفى بمجرد التسجيل والبحث عن لقطة الهدف، بل يتسلم من مناطق متأخرة ويشارك فى صناعة اللعب، حتى فى غياب «مانى»، اللاعب الأفضل والأهم فى منظومة «الريدز» خلال الموسم الماضى، لم يشعر الآخرون بغيابه، لأن «صلاح» ضاعف مجهوداته كنتاج لحالة الحوافز التى تجددت بالفعل.

بعدما كان بعيدًا كل البعد عن صراع هدافى «البريميرليج»، عاد بقوة وتخطى «مانى» فى الترتيب، ولم يعد بعيدًا عن المتنافسين على لقب الهداف.

سيستفيد «صلاح» كثيرًا من هذه الصحوة وحالة تجديد الدوافع، وسيساعده فى ذلك رغبة الجميع هناك فى دعمه، وسيكون بذلك قادرًا على استعادة معدلات تسجيله فى موسمه الأول مع «الريدز».

الأهم بالنسبة لـ«صلاح» هو استثمار تلك الحالة لمواصلة التفوق الفردى على «مانى»، لأنه بنهاية هذا الموسم سيفوز ليفربول بالدورى بأرقام قياسية بعد غياب سنوات طويلة، والأفضل رقميًا بين «مانى» و«صلاح» بلا شك سيكون المتوج قاريًا الموسم الجارى، عوضًا عن إمكانية صعوده إلى منصة الثلاثة الكبار فى «الكرة الذهبية» حال وصل ليفربول لبعيد بدورى الأبطال، وهذا أمر أقرب إلى الواقع.

هنا يتحقق ما قلناه فى المقدمة، أن تتحول الأزمة لدافع ربما يعطيك أكثر مما تمنى، فـ«صلاح» الذى تأزم وحزن لخسارة «الأفضل إفريقيًا»، عاد متحفزًا لا من أجل الفوز بالجائزة ذاتها فحسب بل ليصل لما هو أبعد من ذلك، وهو الوقوف مع ميسى ورونالدو على منصة «الكرة الذهبية».

سيساعد «صلاح» تراجع حوافز «مانى» نسبيًا بعدما حقق هدفه، خاصة أن اللاعب السنغالى بذل جهودًا مضاعفة فى الموسم الماضى والنصف الأول من هذا الموسم، وعرضه ذلك مؤخرًا لإصابة، وهو على كل الأحوال لا يستطيع إعطاء ١٠٠٪ مما لديه طوال الوقت، وسيتوقف ولو قليلًا، بينما «صلاح» عاد ليعطى كل ما فى جعبته.

ستساعده أيضًا استعادته لتسديد ضربات الجزاء، ففى التوقيت الحالى خرج «ميلنر» من حسابات يورجن كلوب كثيرًا، وبات «صلاح» رقم واحد فى التسديد، وهنا ستزيد غلته التهديفية، وستتعدل أرقامه للأفضل.

عليه أن يكون فاعلًا فى محطات دورى الأبطال المهمة، موقعة أتلتيكو مدريد وما بعدها، وتأثير «صلاح» فى عبور ليفربول للأدوار المقبلة سيكون أهم المحددات لتحقيق ما نتمناه ويسعى إليه، فمثلما كان «مانى» الأفضل فى دورى الأبطال الموسم الماضى فى أصعب الأوقات، الآن جاء وقت «صلاح» ليستغل حالة إعادة اكتشاف بدايته الاستثنائية، وتقديم معجزة جديدة عنوانها «الفرعون المصرى».